لقد احتج من جوز أخذ أموال السلاطين إذا كان فيها حرام وحلال مهما لم يتحقق أن عين المأخوذ حرام بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا أيام الأئمة الظلمة وأخذوا الأموال منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وجرير بن عبد الله وجابر وأنس بن مالك والمسور بن مخرمة .
فأخذ أبو سعيد وأبو هريرة من مروان ويزيد بن عبد الملك .
وأخذ ابن عمر وابن عباس من الحجاج .
وأخذ كثير من التابعين منهم كالشعبي وإبراهيم والحسن وابن أبي ليلى .
وأخذ الشافعي من هارون الرشيد ألف دينار في دفعة .
وأخذ مالك من الخلفاء أموالا جمة وقال علي رضي الله عنه خذ ما يعطيك السلطان فإنما ، يعطيك من الحلال وما يأخذ من الحلال أكثر .
وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعا مخافة على دينه أن يحمل على مالا يحل .
ألا ترى قول أبي ذر للأحنف بن قيس خذ العطاء ما كان نحلة فإذا ، كان أثمان دينكم فدعوه وقال أبو هريرة رضي الله عنه إذا أعطينا قبلنا ، وإذا منعنا لم نسأل .
وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أعطاه معاوية سكت ، وإن منعه وقع فيه .
وعن الشعبي عن مسروق لا يزال العطاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار أي يحمله ذلك على الحرام لا أنه ; في نفسه حرام وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن المختار كان يبعث إليه المال فيقبله ، ثم يقول : لا أسأل أحدا ولا أرد ما رزقني الله .
وأهدى إليه ناقة فقبلها وكان ، يقال لها ناقة المختار ، ولكن هذا يعارضه ما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يرد هدية أحد إلا هدية المختار ، والإسناد في رده أثبت .
وعن نافع أنه قال : بعث ابن معمر إلى ابن عمر بستين ألفا فقسمها على الناس ثم جاءه سائل فاستقرض له من بعض من أعطاه وأعطى السائل .
ولما قدم الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه فقال : لأجيزك بجائزة لم أجزها أحدا قبلك من العرب ، ولا أجيزها أحدا بعدك من العرب ، قال فأعطاه أربعمائة ألف درهم فأخذها .


