ودخل
ابن أبي شميلة على
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فقال له : تكلم ، فقال له : إن الناس لا ينجون في القيامة من غصصها ومراراتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه ، فبكى
عبد الملك وقال لأجعلن هذه الكلمة مثالا نصب عيني ما عشت .
ولما استعمل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه
عبد الله بن عامر أتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ عنه
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر وكان له صديقا فعاتبه فقال
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=936112الرجل إذا ولى ولايته تباعد الله عنه .
ودخل مالك بن دينار على أمير
البصرة فقال : أيها الأمير ، قرأت في بعض الكتب إن الله تعالى يقول؛ ما أحمق من سلطان وما أجهل ممن عصاني ومن أعز ممن اعتز بي أيها الراعي السوء دفعت إليك غنما سمانا صحاحا ، فأكلت اللحم ولبست الصوف وتركتها عظاما تتقعقع فقال له والي
البصرة أندري : ما الذي يجرئك علينا ويجنبنا عنك ، قال : لا ، قال : قلة الطمع فينا وترك الإمساك لما في أيدينا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز واقفا مع
سليمان ابن عبد الملك فسمع سليمان صوت الرعد فجزع ووضع صدره على مقدمة الرحل فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : هذا صوت رحمته فكيف إذا سمعت صوت عذابه ، ثم نظر
سليمان إلى الناس فقال : ما أكثر الناس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : خصماؤك يا أمير المؤمنين ، فقال له
سليمان : ابتلاك الله بهم .
وحكي أن سليمان بن عبد الملك قدم
المدينة وهو يريد
مكة ، فأرسل إلى أبي حازم فدعاه فلما دخل عليه قال له
سليمان : يا
أبا حازم ما لنا نكره الموت فقال : لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم ، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب فقال : يا
أبا حازم كيف القدوم على الله قال يا أمير المؤمنين ، أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ، فبكى
سليمان وقال ليت شعري ما لي عند الله قال
أبو حازم : اعرض نفسك على كتاب الله تعالى حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=13إن الأبرار لفي نعيم nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=14وإن الفجار لفي جحيم ، قال : فأين رحمة الله ؟ قال قريب من المحسنين ثم ، قال
سليمان : يا
أبا حازم ، أي عباد الله أكرم ؟ قال : أهل البر والتقوى قال : فأي الأعمال أفضل ، قال : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم قال : فأي الكلام أسمع ، قال : قول الحق عند من تخاف وترجو قال فأي المؤمنين أكيس قال : رجل عمل بطاعة الله ودعا الناس إليها قال : فأي المؤمنين أخسر ؟ قال رجل خطا : في هوى أخيه ، وهو ظالم ، فباع آخرته بدنيا غيره قال
سليمان ما تقول فيما نحن فيه ؟ قال أوتعفيني؟ قال: لا بد فإنها نصيحة تلقيها إلي قال : يا أمير المؤمنين إن : آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا منهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وقد ارتحلوا فلو شعرت مما قالوا وما قيل لهم ، فقال له رجل من جلسائه بئسما قلت قال
أبو حازم إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه .
قال وكيف لنا أن نصلح هذا الفساد ، قال : أن تأخذه من حله فتضعه في حقه فقال
سليمان : ومن يقدر على ذلك فقال ؟ : من يطلب الجنة ويخاف من النار .
فقال
سليمان ادع لي .
فقال :
أبو حازم اللهم إن كان
سليمان وليك فيسره لخيري الدنيا والآخرة ، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى فقال سليمان أوصني ، فقال : أوصيك وأوجز عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك .
وقال عمر بن عبد العزيز لأبي حازم: عظني، فقال: اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك ثم انظر إلى ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن فلعل تلك الساعة قريبة .
ودخل أعرابي على
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك فقال : تكلم يا أعرابي ، فقال : يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام فاحتمله وإن كرهته ، فإن وراءه ما تحب إن قبلته ، فقال : يا أعرابي إنا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا تأمن غشه فكيف بمن نأمن غشه ونرجو نصحه فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين إنه قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياهم بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله تعالى ولم يخافوا الله فيك حرب الآخرة ، سلم الدنيا ، فلا تأتمنهم على ما ائتمنك الله تعالى عليه فإنهم لم يألوا في الأمانة تضييعا وفي الأمة خسفا وعسفا وأنت مسئول عما اجترحوا ، وليسوا بمسئولين عما اجترحت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ، فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره فقال له
سليمان : يا أعرابي أما إنك قد سللت لسانك وهو أقطع سيفيك قال : أجل يا أمير المؤمنين ، ولكن لك لا عليك .
وحكي أن أبا بكرة دخل على معاوية فقال : اتق الله يا
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية واعلم أنك في كل يوم يخرج عنك ، وفي كل ليلة تأتي عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعدا ، ومن الآخرة إلا قربا وعلى أثرك طالب لا تفوته وقد نصب لك علما لا تجوزه فما أسرع ما تبلغ العلم ، وما أوشك ما يلحق بك الطالب وإنا وما نحن فيه زائل وفي الذي نحن إليه صائرون باق إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
فهكذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=19123_30198دخول أهل العلم أعني علماء الآخرة فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم فيدلونهم على الرخص ويستنبطون لهم بدقائق الحيل طرق السعة فيما يوافق أغراضهم .
وإن تكلموا بمثل ما ذكرناه في معرض الوعظ لم يكن قصدهم الإصلاح بل اكتساب الجاه والقبول عندهم .
وفي هذا غروران يغتر بهم الحمقى أحدهما أن يظهر أن قصدي في الدخول عليهم إصلاحهم بالوعظ .
وربما يلبسون على أنفسهم بذلك ، وإنما الباعث لهم شهوة خفية للشهرة وتحصيل المعرفة عندهم وعلامة الصدق في طلب الإصلاح أنه لو تولى ذلك الوعظ غيره ممن هو من أقرانه في العلم ، ووقع موقع القبول وظهر به أثر ، الصلاح فينبغي أن يفرح به ، ويشكر الله تعالى على كفايته ، هذا المهم كمن وجب عليه أن يعالج مريضا ضائعا فقام بمعاجلته غيره فإنه يعظم به فرحه .
فإن كان يصادف في قلبه ترجيحا لكلامه على كلام غيره ، فهو مغرور الثاني
nindex.php?page=treesubj&link=30198_25988أن يزعم أني أقصد الشفاعة لمسلم في دفع ظلامة .
وهذا أيضا مظنة الغرور ومعياره ما تقدم ذكره .
وَدَخَلَ
ابْنُ أَبِي شُمَيْلَةَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ : تَكَلَّمْ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ لَا يَنْجُونَ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ غُصَصِهَا وَمِرَارَاتِهَا وَمُعَايَنَةِ الرَّدَى فِيهَا إِلَّا مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ نَفْسِهِ ، فَبَكَى
عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ لَأَجْعَلَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِثَالًا نُصْبَ عَيْنَيَّ مَا عِشْتُ .
وَلَمَّا اسْتَعْمَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عَامِرٍ أَتَاهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَأَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبُو ذَرٍّ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فَعَاتَبَهُ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبُو ذَرٍّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=936112الرَّجُلَ إِذَا وَلَّى وِلَايَتَهُ تَبَاعَدَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَدَخَلَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَلَى أَمِيرِ
الْبَصْرَةِ فَقَالَ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ؛ مَا أَحْمَقَ مِنْ سُلْطَانٍ وَمَا أَجْهَلَ مِمَّنْ عَصَانِي وَمَنْ أَعَزُّ مِمَّنِ اعْتَزَّ بِي أَيُّهَا الرَّاعِي السُّوءُ دَفَعْتُ إِلَيْكَ غَنَمًا سِمَانًا صِحَاحًا ، فَأَكَلْتَ اللَّحْمَ وَلَبِسْتَ الصُّوفَ وَتَرَكْتَهَا عِظَامًا تَتَقَعْقَعُ فَقَالَ لَهُ وَالِي
الْبَصْرَةِ أَنَدْرِي : مَا الَّذِي يُجَرِّئُكَ عَلَيْنَا وَيُجَنِّبُنَا عَنْكَ ، قَالَ : لَا ، قَالَ : قِلَّةُ الطَّمَعِ فِينَا وَتَرْكُ الْإِمْسَاكِ لِمَا فِي أَيْدِينَا .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاقِفًا مَعَ
سُلَيْمَانَ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ صَوْتَ الرَّعْدِ فَجَزِعَ وَوَضَعَ صَدْرَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ الرَّحْلِ فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : هَذَا صَوْتُ رَحْمَتِهِ فَكَيْفَ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتَ عَذَابِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ
سُلَيْمَانُ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ : مَا أَكْثَرَ النَّاسَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : خُصَمَاؤُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ
سُلَيْمَانُ : ابْتَلَاكَ اللَّهُ بِهِمْ .
وَحُكِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُرِيدُ
مَكَّةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي حَازِمٍ فَدَعَاهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ
سُلَيْمَانُ : يَا
أَبَا حَازِمٍ مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَ : لِأَنَّكُمْ خَرَّبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ فَقَالَ : يَا
أَبَا حَازِمٍ كَيْفَ الْقُدُومُ عَلَى اللَّهِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَّا الْمُحْسِنُ فَكَالْغَائِبِ يَقْدَمُ عَلَى أَهْلِهِ ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ فَكَالْآبِقِ يُقْدَمُ عَلَى مَوْلَاهُ ، فَبَكَى
سُلَيْمَانُ وَقَالَ لَيْتَ شِعْرِي مَا لِي عِنْدَ اللَّهِ قَالَ
أَبُو حَازِمٍ : اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=13إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=14وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ، قَالَ : فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ ؟ قَالَ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ثُمَّ ، قَالَ
سُلَيْمَانُ : يَا
أَبَا حَازِمٍ ، أَيُّ عِبَادِ اللَّهِ أَكْرَمُ ؟ قَالَ : أَهْلُ الْبَرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ : فَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ، قَالَ : أَدَاءُ الْفَرَائِضِ مَعَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ قَالَ : فَأَيُّ الْكَلَامِ أَسْمَعُ ، قَالَ : قَوْلُ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ تَخَافُ وَتَرْجُو قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ : رَجُلٌ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْسَرُ ؟ قَالَ رَجُلٌ خَطَا : فِي هَوَى أَخِيهِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ ، فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ قَالَ
سُلَيْمَانُ مَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ أَوَتَعْفِينِي؟ قَالَ: لَا بُدَّ فَإِنَّهَا نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا إِلَيَّ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ : آبَاءَكَ قَهَرُوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ وَأَخَذُوا هَذَا الْمُلْكَ عَنْوَةً مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا رِضًا مِنْهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً ، وَقَدِ ارْتَحَلُوا فَلَوْ شَعَرْتَ مِمَّا قَالُوا وَمَا قِيلَ لَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ بِئْسَمَا قُلْتَ قَالَ
أَبُو حَازِمٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الْعُلَمَاءِ لِيُبَيِّنَنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ .
قَالَ وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نُصْلِحَ هَذَا الْفَسَادَ ، قَالَ : أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ حَلِّهِ فَتَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَقَالَ
سُلَيْمَانُ : وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ؟ : مَنْ يَطْلُبُ الْجَنَّةَ وَيَخَافُ مِنْ النَّارَ .
فَقَالَ
سُلَيْمَانُ ادْعُ لِي .
فَقَالَ :
أَبُو حَازِمٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ
سُلَيْمَانُ وَلِيَّكَ فَيَسِّرْهُ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّكَ فَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى فَقَالَ سُلَيْمَانُ أَوْصِنِي ، فَقَالَ : أُوصِيكَ وَأُوجِزُ عَظِّمْ رَبَّكَ وَنَزِّهْهُ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ أَوْ يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأَبِي حَازِمٍ: عِظْنِي، فَقَالَ: اضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عِنْدَ رَأْسِكَ ثُمَّ انْظُرْ إِلَى مَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِيكَ تِلْكَ السَّاعَةَ فَخُذْ بِهِ الْآنَ وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِيكَ تِلْكَ السَّاعَةَ فَدَعْهُ الْآنَ فَلَعَلَّ تِلْكَ السَّاعَةَ قَرِيبَةٌ .
وَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16044سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ : تَكَلَّمْ يَا أَعْرَابِيُّ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي مُكَلَّمُكَ بِكَلَامٍ فَاحْتَمِلْهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ ، فَإِنَّ وَرَاءَهُ مَا تُحِبُّ إِنْ قَبِلْتَهُ ، فَقَالَ : يَا أَعْرَابِيٌّ إِنَّا لَنَجُودُ بِسِعَةِ الِاحْتِمَالِ عَلَى مَنْ لَا نَرْجُو نُصْحَهُ وَلَا تَأْمَنُ غِشَّهُ فَكَيْفَ بِمَنْ نَأْمَنُ غِشَّهُ وَنَرْجُو نُصْحَهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَدْ تَكَنَّفَكَ رِجَالٌ أَسَاءُوا الِاخْتِيَارَ لِأَنْفُسِهِمْ وَابْتَاعُوا دُنْيَاهُمْ بِدِينِهِمْ وَرِضَاكَ بِسَخَطِ رَبِّهِمْ خَافُوكَ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَخَافُوا اللَّهَ فِيكَ حَرْبُ الْآخِرَةِ ، سِلْمُ الدُّنْيَا ، فَلَا تَأْتَمِنْهُمْ عَلَى مَا ائْتَمَنَكَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْلُوَا فِي الْأَمَانَةِ تَضْيِيعًا وَفِي الْأُمَّةِ خَسْفًا وَعَسْفًا وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا اجْتَرَحُوا ، وَلَيْسُوا بِمَسْئُولِينَ عَمَّا اجْتَرَحْتَ ، فَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاهُمْ بِفَسَادِ آخِرَتِكَ ، فَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ غَبْنَا مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ
سُلَيْمَانُ : يَا أَعْرَابِيُّ أَمَا إِنَّكَ قَدْ سَلَلْتَ لِسَانَكَ وَهُوَ أَقْطَعُ سَيْفَيْكَ قَالَ : أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَكِنْ لَكَ لَا عَلَيْكَ .
وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا بَكَرَةٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ وَاعْلَمْ أَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَخْرُجُ عَنْكَ ، وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ تَأْتِي عَلَيْكَ لَا تَزْدَادُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بُعْدًا ، وَمِنَ الْآخِرَةِ إِلَّا قُرْبًا وَعَلَى أَثَرِكَ طَالِبٌ لَا تَفُوتُهُ وَقَدْ نَصَبَ لَكَ عَلَمًا لَا تَجُوزُهُ فَمَا أَسْرَعَ مَا تَبْلُغُ الْعَلَمَ ، وَمَا أَوْشَكَ مَا يَلْحَقُ بِكَ الطَّالِبُ وَإِنَّا وَمَا نَحْنُ فِيهِ زَائِلٌ وَفِي الَّذِي نَحْنُ إِلَيْهِ صَائِرُونَ بَاقٍ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .
فَهَكَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19123_30198دُخُولُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَعْنِي عُلَمَاءَ الْآخِرَةِ فَأَمَّا عُلَمَاءُ الدُّنْيَا فَيَدْخُلُونَ لِيَتَقَرَّبُوا إِلَى قُلُوبِهِمْ فَيَدُلُّونَهُمْ عَلَى الرُّخَصِ وَيَسْتَنْبِطُونَ لَهُمْ بِدَقَائِقِ الْحِيَلِ طُرُقَ السِّعَةِ فِيمَا يُوَافِقُ أَغْرَاضَهُمْ .
وَإِنْ تَكَلَّمُوا بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَعْرَضِ الْوَعْظِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْإِصْلَاحَ بَلِ اكْتِسَابُ الْجَاهِ وَالْقَبُولُ عِنْدَهُمْ .
وَفِي هَذَا غُرُورَانِ يَغْتَرَّ بِهِمْ الْحَمْقَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ قَصْدِي فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ إِصْلَاحُهُمْ بِالْوَعْظِ .
وَرُبَّمَا يُلَبِّسُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْبَاعِثُ لَهُمْ شَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ لِلشُّهْرَةِ وَتَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَهُمْ وَعَلَامَةُ الصِّدْقِ فِي طَلَبِ الْإِصْلَاحِ أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْوَعْظَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي الْعِلْمِ ، وَوَقَعَ مَوْقِعَ الْقَبُولِ وَظَهَرَ بِهِ أَثَرُ ، الصَّلَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ بِهِ ، وَيَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كِفَايَتِهِ ، هَذَا الْمُهِمُّ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَالِجَ مَرِيضًا ضَائِعًا فَقَامَ بِمُعَاجَلَتِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ بِهِ فَرَحُهُ .
فَإِنْ كَانَ يُصَادِفُ فِي قَلْبِهِ تَرْجِيحًا لِكَلَامِهِ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ ، فَهُوَ مَغْرُورٌ الثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=30198_25988أَنْ يَزْعُمَ أَنِّي أَقْصِدُ الشَّفَاعَةَ لِمُسْلِمٍ فِي دَفْعِ ظُلَامَةٍ .
وَهَذَا أَيْضًا مَظِنَّةُ الْغُرُورِ وَمِعْيَارُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .