وطرق السلف قد اختلفت في إظهار البغض مع أهل المعاصي وكلهم اتفقوا على إظهار البغض للظلمة والمبتدعة وكل من عصى الله بمعصية متعدية منه إلى غيره ، فأما من عصى الله في نفسه ، فمنهم من نظر بعين الرحمة إلى العصاة كلهم ومنهم من شدد الإنكار واختار المهاجرة .
فقد كان أحمد بن حنبل يهجر الأكابر في أدنى كلمة حتى هجر يحيى بن معين لقوله : إني لا أسأل أحدا شيئا ولو حمل السلطان إلي شيئا لأخذته .
وهجر الحارث المحاسبي في تصنيفه في الرد على المعتزلة ، وقال : إنك لا بد تورد أولا شبهتهم وتحمل الناس على التفكر فيها ثم ترد عليهم وهجر أبا ثور في تأويله قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم على صورته .
" وهذا أمر يختلف باختلاف النية وتختلف النية باختلاف الحال ، فإن كان الغالب على القلب النظر إلى اضطرار الخلق وعجزهم وأنهم مسخرون لما قدروا له أورث هذا تساهلا في المعاداة والبغض وله وجه ولكن قد تلتبس به المداهنة فأكثر البواعث على الإغضاء عن المعاصي المداهنة ومراعاة القلوب والخوف من وحشتها ونفارها وقد يلبس الشيطان ذلك على الغبي الأحمق بأنه ينظر بعين الرحمة ومحك ذلك أن ينظر إليه بعين الرحمة إن جنى على خاص حقه ، ويقول إنه قد سخر له والقدر لا ينفع منه الحذر وكيف لا يفعله وقد كتب عليه فمثل هذا قد تصح له نية في الإغماض عن الجناية على حق الله وإن كان يغتاظ عند الجناية على حقه ويترحم عند الجناية على حق الله فهذا مداهن مغرور بمكيدة من مكايد الشيطان فليتنبه له .


