الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ذلك التعليم والنصيحة فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال فإن كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين والدنيا فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم فعليك النصيحة وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة لينزجر عنه وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد ، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة ، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة إذ قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن مرآة المؤمن .

" أي يرى منه ما لا يرى من نفسه ، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ، ولو انفرد لم يستفد كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة .

وقال الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .

وقيل لمسعر أتحب من يخبرك بعيوبك ؟ فقال : إن نصحني فيما بيني وبينه فنعم وإن قرعني بين الملأ فلا .

وقد صدق فإن النصح على الملأ فضيحة والله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه في ظل ستره فيوقفه على ذنوبه سرا وقد يدفع كتاب عمله مختوما إلى الملائكة الذين يحفون به إلى الجنة فإذا قاربوا باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه وأما أهل المقت فينادون على رءوس الأشهاد وتستنطق جوارحهم بفضائحهم فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر .

التالي السابق


(ومن ذلك التعليم والنصيحة) له (فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال) وفي القوت: حقيقة الحب في الله -عز وجل- أن يؤثر أخاه بالدين والدنيا إذا كان محتاجا إليها كنفسه .

(فإن كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين والدنيا) وفي القوت: وينبغي أن يعلمه ما يجهل مما هو به أعلم، فيعينه بعلمه كما يعينه بماله، فإن فقر الجهل أشد من فقر المال، وإن الحاجة إلى العلم ليست بدون الحاجة إلى المال، وكان الفضيل يقول: إنما سمي الصديق لتصدقه والرفيق لترفقه، فإن كنت أغنى منه فارفقه بما لك وإن كنت أعلم منه فارفقه بعلمك (فإن علمته وأرشدته فلم يعمل بمقتضى العلم فعليك نصحه وذلك بأن تذكره آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة ليكف عنه) وفي نسخة: لينزجر عنه (وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا تطلع عليه أحدا، فما كان على الملأ) هم جماعة الناس (فهو توبيخ وفضيحة، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة) ، ولفظ القوت: وينبغي أن ينصح له فيما بينه وبينه ولا يوبخه بين الملأ ولا يطلع على عيبه أحدا، فقد قيل: إن نصائح المؤمنين في آذانهم. انتهى .

(إذ قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن مرآة المؤمن") .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد حسن. انتهى .

قلت: رواه من طريق الوليد بن رباح عن أبي هريرة وهو عند العسكري في الأمثال من أوجه عن أبي هريرة لفظه في بعضها: "إن أحدكم مرآة أخيه، فإذا رأى شيئا فليمطه". قال الحافظ السخاوي: وفي باب عن أنس من طريق شريك بن أبي نمر، أخرجه الطبراني والبزار والقضاعي وعن الحسن من قوله: أنشده ابن المبارك في البدل (أي يرى منه ما لا يرى من نفسه، فيستفيد المؤمن من أخيه معرفة عيوب نفسه، ولو انفرد لم يستفد كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب عورته الظاهرة) ، وأنشد بعضهم في معناه:


صديقي مرآة أميط بها الأذى وعضب حسام إن منعت حقوقي وإن ضاق أمر أو ألمت ملمة
لجأت إليه دون كل شقيق



(وقيل لمسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالي العامري الكوفي، يكنى أبا سلمة، قال ابن معين: ثقة، مات سنة خمس وخمسين ومائة، روى له الجماعة (تحب من يخبرك بعيوبك؟ فقال: إن نصحني فيما بيني وبينه فنعم) أي: نعم ما فعل (وإن قرعني في الملأ فلا) نقله صاحب القوت (وقد صدق) مسعر فيما قاله (فإن النصح على الملأ إفضاح و) كذلك (الله -عز وجل- يعاتب المؤمن) ولفظ القوت: رجلا من المؤمنين (يوم القيامة تحت كنفه وفي ظل ستره) ولفظ القوت: ويسبل عليه ستره (فيوقفه على ذنوبه سرا وقد يدفع) ولفظ القوت: ومنهم من يدفع (كتاب عمله مختوما إلى الملائكة الذين يحفون به إلى الجنة فإذا قاربوا) دخول (باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه) ولفظ القوت: فإذا قاربوا دخول الجنة دفعوا إليهم الكتب مختمة فيقرؤونها .

(وأما أهل المقت فينادون على رءوس الأشهاد) وفي القوت: وأما أهل التوبيخ (وتستنطق جوارحهم بفضائحهم فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا) ولفظ القوت بعد قوله الأشهاد، فلا يخفى على أهل الموقف فضيحتهم فيزداد ذلك ففي عذابهم (ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر) .




الخدمات العلمية