الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها أن لا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به ، قال صلى الله عليه وسلم : العدة عطية .

وقال : العدة دين .

وقال : ثلاث في المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان .

وقال : ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى .

وذكر ذلك .

التالي السابق


(ومنها أن لا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به، قال -صلى الله عليه وسلم-: العدة عطية) أي: بمنزلة العطية، فلا ينبغي أن تخلف كما لا ينبغي أن يرجع الإنسان في عطيته، ولأنه إذا وعد فقد أعطى عهده بما وعد، وقد قال تعالى: وأوفوا بالعهد وفي حديث آخر: "من وعد وعدا فقد عهد عهدا" ذكره العامري في شرح الشهاب، قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث قباث بن أشيم بسند ضعيف. اهـ .

قلت: قال رفيقه البيهقي فيه أصبغ بن عبد العزيز الليثي، قال أبو حاتم: مجهول وللخرائطي في المكارم عن الحسن البصري مرسلا: "إن امرأة سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا فلم تجده عنده، فقالت: عدني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن العدة عطية" وهو في المراسيل لأبي داود وكذا الصمت لابن أبي الدنيا من حديث يونس بن عبيد البصري عن الحسن إن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 263 ] قال: "العدة عطية" وفي لفظ عن يونس بن عبيد البصري عن الحسن قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقال: ما عندي ما أعطيك، فقال: فعدني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العدة واجبة" ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية والديلمي من حديث ابن مسعود.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: العدة دين) أي: كالدين في تأكد الوفاء بها فإذا "أحسنت القول فأحسن الفعل ليجتمع لك مزية اللسان وثمرة الإحسان ولا تقل ما لا تفعل" .

قال العراقي: أخرجه الطبراني في معجميه الأوسط والأصغر من حديث علي وابن مسعود بسند فيه جهالة، ورواه أبو داود في المراسيل. اهـ. قلت: في سندهما حمزة بن داود ضعفه الدارقطني، وكذلك رواه القضاعي في الشهاب من حديث ابن مسعود، ولفظهم: "لا يعد أحدكم حبيبه ثم لا ينجز له، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: العدة دين". ولفظه عند أبي نعيم في الحلية "إذا وعد أحدكم حبيبه فلينجز له فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: العدة عطية" والموقوف منه فقط عند البخاري في الأدب المفرد بزيادة، ولفظ الطبراني وابن عساكر من حديث علي مرفوعا: "العدة دين ويل له ويل له ويل له ثلاثا" أي: لمن وعد ثم أخلف. أورد القضاعي منه لفظ المصنف والديلمي معناه بلفظ: "الواعد بالعدة مثل الدين أو أشد" وفي لفظ له: "عدة المؤمن دين، وعدة المؤمن كالأخذ باليد".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث) خصال (في المنافق) اللام إما للجنس أو العهد، فإن كانت للجنس على سبيل التشبيه والتمثيل لا على سبيل الحقيقة، وإن كانت للعهد فيكون المراد المنافق الخاص بعينه أو من المنافقين الذين كانوا في زمنه -صلى الله عليه وسلم- (إذا حدث كذب) أي: أخبر بخلاف الواقع (وإذا وعد) الإنسان بإيصال الخير في المستقبل (أخلف) وعده ولم يف به (وإذا ائتمن) أي: جعل أمينا، ويروى: اتمن بتشديد التاء (خان) أي: تصرف في الأمانة على غير وجه الشرع أو لم ينصح، وفي ذكر "إذا" الدالة على تحقق الوقوع تنبيه على أن هذه عادة المنافق، وفي الحديث حذف المفاعيل الثلاث من الأفعال الثلاثة تنبيها على العموم، وفيه عطف العام على الخاص، فإن الوعد نوع من التحديث لكنه أفرده بالذكر تنبيها على زيادة قبحه، ووجه الحصر في الثلاث هو التنبيه على فساد القول والفعل والنية، قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: وهو في أول الصحيح للبخاري قال: حدثنا سليمان أبو الربيع حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا نافع بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وهكذا أخرجه أيضا في الوصايا عن أبي الربيع وفي الشهادات عن قتيبة وفي الأدب عن أبي سلام.

وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة ويحيى بن أيوب كلهم عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه وأخرجه الترمذي والنسائي.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث من كن فيه فهو منافق) أي: حاله يشبه حال المنافق (وإن صام) الصوم المفروض (وصلى) الصلاة المفروضة، وهذا الشرط اعتراض وارد بالمبالغة لا يستدعي الجواب، ذكره الزمخشري (وذكر ذلك) ، وهو من "إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وقال العراقي: رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وأصله في المتفق عليه. اهـ .

قلت: لم يروه البخاري بهذا اللفظ وإنما رواه مسلم، ورواه أبو يعلى ورستة في كتاب الإيمان وأبو الشيخ في التوبيخ من حديث أنس بلفظ: "وإن صام وصلى وحج واعتمر، وقال: إني مسلم" والباقي سواء .




الخدمات العلمية