الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرين .

وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل السوء سرا ثم يخبر به وقال صلى الله عليه وسلم : من استمع خبر قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة .

التالي السابق


(وقال -صلى الله عليه وسلم-: كل أمتي معافى) اسم مفعول من عافاه الله؛ أي: عفا الله عنه أو سلمه وسلم منه، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث معافاه بالهاء في آخره، هكذا نقله النووي نقلا عن النسخ المعتمدة من صحيح مسلم، والذي في نسخ المصابيح وغيرها كما هنا، وقال الطيبي: وعليه فينبغي له أن تكتب ألفه ياء ليكون مطابقا للفظ: كل (إلا المجاهرون) كذا في نسخ الكتاب كلها والرواية: "إلا المجاهرين" ووجه ما هنا بات معافى في معنى النفي فيكون استثناء من كلام غير موجب، والتقدير: كل أمتي لا ذنب لهم إلا المجاهرون، وتقديره على الثاني، لكن المجاهرين بالمعاصي لا يعافون، من جاهر بكذا بمعنى جهر به وعبر بفاعل للمبالغة أو على ظاهر المفاعلة، والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه (وإن من المجاهرة) وفي رواية "وإن من الجهار" أي: الإظهار والإذاعة (أن يعمل الرجل سرا ثم يخبر به) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة، قلت: وكذلك رواه أبو يعلى وغيرهم ولفظهم جميعا "أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول: عملت كذا وكذا البارحة، وقد بات بستر ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" وقد رواه الطبراني في الأوسط والصغير بسند ضعيف من حديث أبي قتادة وفيه بعد قوله "إلا المجاهر الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه ثم يقول: يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عنه" واعلم أن إشهار الذنب في ملأ جناية منه على ستر الله -عز وجل- الذي أسدله عليه وتحريك رغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به، فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر .

وسيأتي للمصنف في المهلكات: إن الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على وجه السؤال والاستفتاء، بدليل خبر المحترف المتقدم في كتاب الصوم، فإنه أخبر بحاله النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكر عليه، وقال النووي: يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها، بل يقلع ويندم ويعزم على أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه ونحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له ونحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من استمع سر قوم) كذا في النسخ وفي بعضها "بين قوم" وفي أخرى "من قوم" (وهم له) أي: لاستماعه (كارهون) الجملة حال من القوم، أو من ضمير استمع، يعني حال كونهم يكرهونه لأجل استماعه أو يكرهون استماعه إذا علموا ذلك، أو صفة قوم، والواو لتأكيد لصوقها بالموصوف (صب في أذنه) وفي رواية: أذنيه (الآنك يوم القيامة) بفتح الهمزة الممدودة وضم النون أفعل، قال الجوهري: هو من أبنية الجمع ولم يجئ عليه الواحد إلا الآنك وهو الرصاص أو الخالص منه أو الأسود أو الأبيض أو القصدير، والجملة إخبار أو دعاء عليه، وفيه وعيد شديد، وموضعه فيمن يستمع بمفسدة كنميمة، أما مستمع حديث قوم بقصد منعهم من الفساد أو ليتحرز شرهم فلا يدخل تحته بل قد يندب بل يجب بحسب المواطن، وللوسائل حكم المقاصد .

قال العراقي: رواه البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا عليه وعلى أبي هريرة أيضا قلت: ورواه من حديث ابن عباس مرفوعا الطبراني في الكبير بإسناد حسن وفيه زيادة ولفظه "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك، ومن أرى عينيه ما لم تريا كلف أن يعقد شعيرة" وأخرجه الإسماعيلي في المستخرج وزاد: يعذب بها وليس بفاعل وفي رواية بين شعيرتين .




الخدمات العلمية