الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
حقوق الأقارب والرحم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته .

وقال صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينسأ له في أثره ويوسع عليه في رزقه فليصل رحمه .

وفي رواية أخرى من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ قال : أتقاهم لله وأوصلهم لرحمه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر .

وقال أبو ذر رضي الله عنه أوصاني خليلي عليه السلام بصلة الرحم وإن أدبرت وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا .

وقال صلى الله عليه وسلم إن : الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم ، حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم .

وقال زيد بن أسلم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عرض له رجل فقال : إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج فقال صلى الله عليه وسلم : إن الله قد منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم .

وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قدمت علي أمي فقلت يا رسول الله إن أمي : قدمت علي وهي مشركة أفأصلها ؟ قال : نعم .

وفي رواية : أفأعطيها ؟ قال : نعم ، صليها .

وقال صلى الله عليه وسلم : الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان .

ولما أراد أبو طلحة أن يتصدق بحائط كان له يعجبه عملا بقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال : يا رسول الله هو في سبيل الله وللفقراء والمساكين ، فقال صلى الله عليه وسلم وجب أجرك على الله قسمه في أقاربك .

التالي السابق


(حقوق الأقارب والرحم)

اعلم أن أقسام القرابة ثلاثة:

الأول: ذو رحم غير محرم كأولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات .

الثاني: محرم غير ذي رحم كالأمهات والأخوات والعمات والخالات من الرضاعة والزوجة وموطوأة الأب وحليلة الابن .

الثالث: ذو رحم محرم ما سوى القسمين المذكورين .

إذا عرفت هذا فقال بعضهم: إن الرحم التي يجب صلتها هي قرابة كل ذي رحم محرم، وقال آخرون: هي قرابة كل قريب محرما كان أو غيره، فينزل العم والأخ الأكبر والخال منزلة الوالد وتنزل الخالة والعمة والأخت الكبرى منزلة الأم في التوقير والخدمة والإطاعة .

(قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله تعالى: أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته) أي: قطعته، قال العراقي: متفق عليه من حديث عائشة اهـ .

قلت: ورواه الحكيم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "يقول الله تعالى: أنا الرحمن وهي الرحم جعلت لها شحنة مني، من وصلها وصلته ومن قطعها بتته إلى يوم القيامة" لسان ذلق ... ويروى "قال الله تعالى: أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ومن بتها بتته".

هكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وقال: صحيح، والبغوي وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف، ورواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق، والخطيب من حديث أبي هريرة، ورواه الحكيم من حديث ابن عباس بلفظ: "قال الله تبارك وتعالى للرحم: خلقتك بيدي وشققت لك من اسمي وقربت مكانك مني وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك ولأقطعن من قطعك ولا أرضى حتى ترضين".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من سره أن ينسأ له) أي: يؤخر (في أثره ويوسع عليه رزقه فليتق الله وليصل رحمه) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس دون قوله "فليتق الله" وهو بهذه الزيادة عند أحمد والحاكم من حديث علي بإسناد جيد اهـ .

قلت: حديث أنس رواه أيضا أبو داود ولفظه: "من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه" وكذلك رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة، وعند أحمد وأبي داود والنسائي من حديث أنس "من سره أن يعظم الله في رزقه وأن يمد في أجله فليصل رحمه" ويروى: "من سره النساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه" هكذا رواه أحمد والضياء في المختارة من حديث ثوبان وفي رواية "من سره أن تطول أيام حياته ويزاد في رزقه فليصل رحمه" كذا رواه ابن جرير والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس، أما حديث علي فلفظه: "من سره أن يمد الله له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه" هكذا رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وصححه والخرائطي في مكارم الأخلاق والطبراني في الأوسط وابن النجار .

(قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ قال: أتقاهم لله وأوصلهم لرحمه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر) .

قال العراقي: رواه أحمد والطبراني من حديث درة بنت أبي لهب بإسناد حسن (وقال أبو ذر) -رضي الله عنه- (أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلة الرحم وإن أدبرت وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا) .

قال العراقي: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. اهـ .

قلت: وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قل الحق وإن كان مرا. الحديث .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها) .

قال العراقي: رواه الطبراني والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو وهو عند البخاري دون قوله "الرحم معلقة بالعرش" فرواها مسلم من حديث عائشة اهـ .

قلت: وعند أحمد والطبراني من حديث ابن عمرو "والرحم شجنة معلقة بالعرش" ولفظ مسلم من حديث [ ص: 312 ] عائشة "الرحم شجنة من الرحمن، قال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته" وعند البخاري من حديث أبي هريرة وعائشة: "الرحم شجنة من الرحمن، قال الله تعالى: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته"، وأما قوله "ليس الواصل" إلخ فكذلك رواه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر ورواه أيضا ابن النجار من حديث أنس.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا فتنمى) أي: تزداد (أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم) .

قال العراقي: رواه ابن حبان من حديث أبي بكرة والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند ضعيف (وقال زيد بن أسلم) أبو عبد الله العدوي مولى عمر ثقة عالم وكان يرسل مات سنة ست وثلاثين (لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة عرض له رجل فقال: إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج) وهي قبيلة من العرب (فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم) .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق وزاد: "وطعنهم في لبات الإبل" وهو مرسل صحيح الإسناد اهـ .

قلت: وبخط الحافظ ابن حجر هو في غريب الحديث لأبي عبيد، وقال: الذي يراد من هذا الحديث أن الصدقة والصلة يدفعان ميتة السوء والمكاره .

(وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما) زوجة الزبير بن العوام وهي شقيقة عبد الله بن أبي بكر أسلمت قديما وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، وكانت تسمى ذات النطاقين، وتوفيت بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، وكانت قد بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل، روى لها الجماعة (قدمت على أمي) وهي أم العزى قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي (فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي مشركة أفاصلها؟ قال: نعم، وفي رواية: أفأعطيها؟ قال: نعم، صليها) رواه البخاري ومسلم والنسائي، وفي رواية: "فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: صلي أمك .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: الصدقة على المساكين) الأجانب (صدقة) فقط (و) هي (على ذي الرحم ثنتان) أي: صدقتان اثنتان صدقة وصلة، ففيه حث على الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد لكن هذا غالبي وقد يكون الحال بالعكس، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من ذلك أن تكون هي في الرحم أفضل مطلقا لاحتمال كون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بعكسه، قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه من حديث سلمان بن عامر الضبي اهـ .

قلت: ورواه كذلك أحمد والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وصححوه وأقر الذهبي تصحيح الحاكم، ولفظهم: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة".

(ولما أراد أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (أن يتصدق بحائط) نخل (له كان يعجبه عملا بقوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال: يا رسول الله هو في سبيل الله والفقراء والمساكين، فقال -صلى الله عليه وسلم- وجب أجرك فاقسمه في أقاربك) رواه البخاري، وقد تقدم في كتاب الزكاة .




الخدمات العلمية