الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واحتجوا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الهجر فوق ثلاث إذ قال من هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار .

وقال صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق بالصلح يدخل الجنة .

وقال من هجر أخاه سنة فهو كسافك دمه .

التالي السابق


(واحتجوا) أيضا (بنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الهجرة فوق ثلاث إذ قال) -صلى الله عليه وسلم- (ومن هجر أخاه فوق ثلاث) ليال (فمات دخل النار) .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بسند صحيح. اهـ .

قلت: لفظ أبي داود: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. ورواه الطبراني من حديث فضالة بن عبيد بلفظ المصنف إلا أنه قال: فهو في النار إلا أن يتداركه الله برحمته .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، والسابق بالصلح يدخل الجنة) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس دون قوله: والسابق. زاد فيه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن: والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة. اهـ .

قلت: هذا حديث قد روي بألفاظ مختلفة وفيها نقصان وزيادة، فمن ذلك: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه مالك والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والشيخان وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان وابن جرير عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب، ورواه ابن عساكر عن الزهري عن أنس وقال: غريب، والمحفوظ الأول، ورواه ابن جرير وابن عدي والطبراني وابن عساكر أيضا عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي بن كعب، قال ابن عدي: هكذا يرويه الليث بن سعد عن عقيل، وإنما يرويه أصحاب الزهري عن عطاء عن أبي أيوب ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. رواه مسلم من حديث ابن عمر والخرائطي في مساوئ الأخلاق والبزار من حديث ابن مسعود وسعد وأنس، ورواه ابن النجار من حديث أبي هريرة بزيادة: والسابق يسبق إلى الجنة. ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود بلفظ: فوق ثلاث .

ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم-: لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال؛ فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما، وإن أولهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفارته، وإن سلم عليه فلم يقبل ولم يرد عليه سلامه ردت عليه الملائكة، ويرد على الآخر الشيطان، وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا. رواه أحمد والطبراني والبيهقي من حديث هشام بن عامر. ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل لمؤمن يهجر مؤمنا فوق ثلاثة أيام، فإذا مر ثلاث لقيه فسلم عليه فإن رد فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد برئ المسلم من الهجرة، وصارت على صاحبه. ورواه البيهقي من حديث أبي هريرة.

(وقال -صلى الله عليه وسلم- من هجر أخاه في الإسلام سنة) أي: بغير عذر شرعي (فهو كسافك دمه) كذا في النسخ، والرواية: كسفك دمه. أي: مهاجرته سنة توجب العقوبة، كما أن سفك دمه يوجبها .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي خراش السلمي واسمه حدرد بن أبي حدرد وإسناده صحيح اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحارث بن أسامة والبغوي والباوردي وابن منده والطبراني في الكبير والحاكم في البر والصلة والضياء في التجارة، وأبو خراش اسمه حدرد وأبو حدرد اسمه سلامة بن عمير ويقال فيه الأسلمي أيضا، وقد روى عن أبي خراش هذا عمران بن أبي أنس القوسي العامري نزل الإسكندرية.




الخدمات العلمية