الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال الجنيد رحمه الله تعالى لا يضر نقصان الوجد مع فضل العلم .

وفضل العلم أتم من فضل الوجد
.

فإن قلت : فمثل هذا لم يحضر السماع فاعلم أن من هؤلاء من ترك السماع في كبره وكان لا يحضر إلا نادرا لمساعدة أخ من الإخوان وإدخالا للسرور على قلبه وربما حضر ليعرف القوم كمال قوته فيعلمون أنه ليس الكمال بالوجد الظاهر فيتعلمون منه ضبط الظاهر عن التكلف وإن لم يقدروا على الاقتداء به في صيرورته طبعا لهم .

وإن اتفق حضورهم مع غير أبناء جنسهم فيكونون معهم بأبدانهم نائين عنهم بقلوبهم وبواطنهم .

كما يجلسون من غير سماع مع غير جنسهم بأسباب عارضة تقتضي الجلوس معهم .

وبعضهم نقل عنه ترك السماع ويظن أنه كان سبب تركه استغناءه عن السماع بما ذكرناه .

وبعضهم كان من الزهاد ولم يكن له حظ روحاني في السماع ولا كان من أهل اللهو فتركه لئلا يكون مشغولا بما لا يعنيه .

وبعضهم تركه لفقد الإخوان .

قيل لبعضهم لم لا تسمع فقال : ممن ? ومع من .

؟ .

التالي السابق


(وقال الجنيد) -رحمه الله تعالى- (لا يضر نقصان الوجد مع فضل العلم، وفضل العلم أتم من فضل الوجد) ، وهكذا نقله صاحب العوارف أيضا قال: وبلغنا عن الشيخ حماد أنه كان يقول: البكاء من بقية الوجود، وكل هذا يقرب البعض من البعض إن عرف الإشارة، (فإن قلت: فمثل هذا) أي: الذي تمت له الملازمة في الشهود (لم يحضر للسماع) وأي معنى لحضوره إياه وقد استغنى عنه، (فاعلم أن من هؤلاء من ترك السماع في كبره) عند انتهاء قوته، (وكان لا يحضر إلا نادرا) أي: قليلا، إما (لمساعدة أخ من الإخوان و) إما (إدخالا للسرور على قلبه) إذ كل من المساعدة وإدخال السرور مطلوب مرغوب إليه، (وربما حضر) السماع (فيعرف القوم كمال قوته فيعلمون أنه ليس الكمال بالوجد الظاهر فيتعلمون منه ضبط الظاهر على التكلف) ثم يرجى لهم أن يصير ذلك طبعا لهم، (وإن لم يقدروا) في مباديهم على الاقتداء به في صيرورته طبعا لهم، وإن اتفق حضورهم مع غير أبناء جنسهم وهم جماعة المنكرين والناقصين والمشتغلين بالدنيا، (فيكونون معهم بأبدانهم نائين) أي: بعيدين (عنهم بقلوبهم وبواطنهم كما يجلسون في غير سماع مع غير جنسهم بأسباب عارضة تقتضي الجلوس) معهم، (وبعض من ينقل عنه ترك السماع) من السادة الصوفية (ويظن) به في الظاهر (أنه) إنما تركه; لأنه (كرهه) ، وإنما (كان سبب تركه استغناءه عن السماع بما ذكرناه) آنفا، (وبعضهم كان من الزهاد) الواقفين مع الظاهر، (ولم يكن له حظ روحاني في السماع ولا كان هو من أهل اللهو فتركه) رأسا (لئلا يكون مشغولا بما لا يعنيه، وبعضهم تركه لفقد الإخوان) من سامع ومسمع .

(و) لذا لما (قيل لبعضهم) وهو الجنيد -رحمه الله تعالى- كما صرح به صاحب العوارف وغيره: (لم لا تسمع) الآن وقد كنت تسمع؟ (قال: ممن؟ ومع من؟) فهو يشير إلى فقد الإخوان ممن يسمع ويسمع; لأنهم ما كانوا يسمعون إلا من أهل ومع أهل، فلما فقدوا سماع الإخوان تركوا .




الخدمات العلمية