القسم الثالث من خيار النقيصة    : خيار العهدتين : 
وأصل هذا اللفظ من العهد ، وهو الإلزام ، ومنه قوله تعالى : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي    ) أي : ألزمناه فنسي ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم    ) أي : أوفوا بما ألزمتم من طاعتي أوف بما التزمت لكم من المثوبة ، والميثاق ، وهو العهد المؤكد باليمين ، وهو في عرف الفقهاء التزام درك المثمن أو الثمن ، وفي الجواهر : العهدتان صغرى في الزمان ، كبرى في الضمان ، وكبرى في الزمان ، وصغرى في الضمان ، فالأولى : عهدة الثلاث في جميع الأدواء ، وما يطرأ على الرقيق بعد الشراء من فوات وغيره فكأن هذه الثلاثة الأيام مضافة إلى ملك البائع ، ولذلك تكون النفقة والكسوة عليه ، إلا أن الغلة ليست له ، وقال بعض المتأخرين : له ; لأن الخراج بالضمان ، الثانية : عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص ، وخالفنا الأئمة في هاتين العهدتين لانعقاد الإجماع على أن العيب الحادث بعد العقد والقبض لا يوجب خيارا في غير صورة النزاع ، فكذلك فيها ، لأن الأصل : عدم ضمان الإنسان لما يحدث في ملك غيره ، قال   [ ص: 115 ]  ابن حنبل     : ولم يصح في العهدة حديث ، لنا : ما روي في  أبي داود  أنه عليه السلام قال : ( عهدة الرقيق ثلاثة أيام   ) في  أبي داود     : أن القول بالعهدتين عمل المدينة ينقله الخلف عن السلف قولا وفعلا ، ولأن الرقيق يكتم عيبه فسيظهر بثلاثة أيام ليظهر ما كتمه بخلاف غيره ، وقياسا على التصرية ، ولأن هذه المدة هي مدة حمى الربع ، وبهذه المعاني يظهر الفرق في قياسهم فيبطل ، ورواية  ابن داود  تدفع قول   ابن حنبل  ، فإنه لا ينقل إلا صحيحا أو حسنا تقوم به الحجة ، وتختص عهدة السنة بأن هذه الأدواء تتقدم أسبابها ، ويختص ظهورها ببعض الفصول في العادة فتكون سنة كالعنة . 
تفريع : في الجواهر : اختلف في محلها من البلاد ، فروى المصريون : لا يقضى بها في العادة حتى يحملهم السلطان عليها ، وروى المدنيون : يقضى بها بكل بلد ، وإن لم يعرفوها ، كما يقضى بالرد بالعيب على من جهل حكمه ، فإن ترتيب الأحكام على الأسباب لا يتوقف على علم المكلف ، وفي الكتاب : إذا توسوس رأس كل شهر فله الرد في عهدة السنة ، ولو جن في رأس شهر واحد ولم يعاوده لرد إذا لم يعلم ذهابه ، ولو جن عنده مدة ثم انقطع لم يجز بيعه حتى يتبين إذ لا تؤمن عودته ، ولو تبرأ من الأدواء الأربعة في السنة قبل علم المبتاع بها لرده إلا أن تؤمن عودته ، قال صاحب التنبيهات : كيف يجن كل شهر ويرد وصبره إلى ثاني شهر استمر علم أنه جنون . 
فرع 
قال  ابن يونس     : إذا باع نصف النهار احتسب الثلاثة بعده ، والعادة   [ ص: 116 ] تؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث والاستبراء ، قاله  مالك  وابن القاسم     ; لأن الفصول يختص اختيارها بذلك ، وعن  مالك     : يدخل الثلاث والاستبراء في السنة ، والأصل : عدم التداخل ، والسنة في بيع الخيار بعد أيام الخيار لعدم انعقاد البيع قبل ذلك ، قال  محمد     : وليبن في ذوات الاستبراء عهدة ثلاث إلا أن تحيض في يومها حيضة بينة فتحسب فيها بقية الثلاث . 
نظائر : قال صاحب التنبيهات : العامة اليوم عند  ابن القاسم  في العهدة والعقيقة وإقامة المسافر والعدة ، قال العبدي : هي خمس ، وزاد : الكراء ، وفي الجواهر : ومقتضى مذهب   سحنون  الحساب من حين العقد من ليل أو نهار ، وينتهي إلى مثله بعد انقضاء الثلاث أو السنة . 
فرع 
قال  ابن يونس     : قال  ابن حبيب     : إذا تنازعا في الأدواء هل حدثت في السنة أو بعدها ؟  صدق البائع من يمينه ; لأن الأصل : عدم الرد ، قال : ويحتمل تصديق المبتاع مع يمينه ; لأن الأصل بقاء حقه في العهدة ، وأما الشفعة فيصدق الشفيع أنه لم ينقص ما يقطعها ، وفي الخيار أن الهلاك كان بعد مدته أو قبلها ، فعند  ابن القاسم  يصدق البائع ، لأن الأصل : عدم نقص العقد . 
فرع 
قال : جني على العبد في عهدة الثلاث  فمن البائع والأرش له ، قاله  مالك  ، وقيل : ينبغي فسخ البيع ; لأن العبد يكون موقوفا لا يدرى متى برؤه ، إلا أن يسقط السيد الجناية ، فإنه لا يوقف إلا أن تكون مهلكة فلا يكون للمشتري الرضا ، وإن أسقط البائع الجناية ; لأنه حينئذ بيع مريض يخاف موته . 
 [ ص: 117 ] فرع 
قال : ما وهب له في الثلاث من مال  فللبائع ; لأن مدة العهدة ملحقة بملكه ، ولو تلف ماله لم يرد ; لأن المال ليس مبيعا ، ولو هلك في الثلاث انتقض البيع ورد المبتاع ماله ، وليس له دفع الثمن وأخذ ماله ; لانتقاض أصل البيع ، وإذا أنمي ماله بربح أو هبة وكان المبتاع اشترط ماله فله ; لأن ذلك من توابع المال ، وإلا فللمبتاع ، قاله  ابن القاسم     . 
فرع 
قال : قال  ابن القاسم     : إذا في السنة سراسا ما ما يخشى منه أحد الأدواء وشك في ذلك فلم يرد للشك ، ثم استحكمت الأدواء بعد السنة بقربها فله الرد ، وإلا فلا ، قال صاحب البيان : وعن  ابن القاسم     : لا يرد إلا بما كان في السنة قال : وهو الأنظر ; لأن العيب حدث في ملك المشتري . 
فرع 
قال  ابن يونس     : إذا أسلم في عبد فقبضه  ففيه عهدة الثلاث ; لأنه مشترك ، وقال  محمد     : لا ، وإن كان بلد عهدته إلا أن يشترطها ، وقال  ابن القاسم     : عهدة السنة ليست في السلم عقد رفع فلا يرجع فيه بعيب بعد القبض ،  ولمالك  في العبد المنكح به هل له عهدة أم لا ؟ قولان ، وقال  ابن حبيب     : لا عهدة في سلف الرقيق ولا في الإقالة ; لأنها على خلاف الأصل فتختص بالبيع المحض تقليلا للمخالفة ، قال  مالك     : ولا عهدة في رد بعيب ; لأنه نقض للبيع ، ومن اشترى امرأته ففيها العهدة ; لأنه بيع محض ، فإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة الحمل ; لأنها صارت بذلك الحمل أم ولد ، وقال   ابن أبي زمين     : لا عهدة في المشترى على الصفة ، ولا في المخالع به ، ولا العبد المصالح به على   [ ص: 118 ] دم عمد ، وكله مذهب  ابن القاسم  ، وقال   أبو بكر بن عبد الرحمن     : في البيع الفاسد العهدة ولا ينفعه بترك البراءة  ، قال : وهذا تناقض وينبغي أن ينفعه كما أن له العهدة كالبيع الصحيح . 
نظائر : قال  ابن بشير     : العهدة في العبيد  إلا في عشرين مسألة : المسلف فيه ، والمستلف في غيره ، والمقرض ، والغائب يباع على الصفة ، والمتزوج به ، والمخالع به ، والمقاطع به ، والمصالح به ، والمقال منه ، والذي يبيعه السلطان ، والمبتاع للعتق ، والمبيع بالبراءة من العهدة ، والمبيع في البلد الذي لا تعرف فيه العهدة ، والموصى ببيعه ، والموهوب للثواب ، والمردود بالعيب ، وإذا كاد لبيع فاسد ، والأمة البينة الحمل ، والتي اشتراها زوجها ، والمبيع في الميراث . 
قال صاحب البيان : المصالح به على الإقرار بيع فيه العهدة  ، وعلى الإنكار كالهبة ، ويخشى في المأخوذ في دين ، أو دم عمد : الدين بالدين لعدم المناجزة بسبب العهدة والموصى ببيعه والموهوب للثواب والمردود بالعيب ، وإذا كان البيع فينبغي ملك العبد كذلك ، واختلف في المستقال منه ، فإن نقد فلا عهدة اتفاقا ; لأنه كالمأخوذ من دين ، ولا عهدة في رأس مال السلم    ; لاقتضائه المناجزة ، ولا عهدة في الموهوب للثواب    ; لأنه للمكارمة كعبد النكاح ، قال   سحنون     : ولا عهدة في المقاطع به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					