الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا زدت على الدابة ما لا يعطب مثله فعطبت لم تضمن ، وله كراء الزيادة على الشرط ، وقاله الأئمة ، وإن كان يعطب مثله : خير بين كراء المثل في الزائد ما بلغ مع الكراء الأول أو قيمة الدابة يوم التعدي ، ولا كراء له لوجود سببي ذلك ، وتعين الضمان عند الأئمة للتعدي ، وما قلناه أولى ; لأن العقد وقع صحيحا فلا يجزم بالغاية ، نعم لا يجمع له بين البدل الذي هو القيمة والمبدل الذي هو منفعة العين التابعة للعين المأخوذ البدل عنها ، والرديف كالزيادة ، وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما يعطب مثله : فلا ضمان ; لأن الحاج عرف بذلك إذا كان المكري رأى ذلك ، قال ابن يونس : الزيادة اليسيرة بخلاف الزيادة في المسافة لأنه تعدى في المسافة وإن قلت ، واجتمع في الحمل إذن وتعد ، وقيل : في زيادة اليسير في الحمل : عليه الكراء الأول [ ص: 510 ] وفضل الضرر ، كمن حمل أثقل فإنه يكون له فضل الضرر ، وقيل : يضمن في زيادة الحمل اليسيرة كزيادة المسافة ، بجامع التعدي ، وفي الكتاب : إذا اكترى للحنطة فحمل شعيرا أو سلتا لم يضمن ، فإن حمل رصاصا أو حجارة بوزن ما اكترى فعطبت ضمن ; لأن هذه تعقر الدابة ، ولو استوى الوزن بفرط اليسير ، وإذا أكريت مثلك في الخفة والأمانة لم تضمن ، وإلا ضمنت ، وإن أكريت غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني إلا أن يأتي بما لا يشبه ، أو يظهر كذبه ، ويضمن الأول بتعديه ، مع أن الكراء من الغير مكروه ; لأن الأول قد يكريك لحسن حالك ، وأما في الموت فللورثة حمل مثله ، قال ابن يونس : قال محمد : يجوز أخذ الربح في الدواب والسفن والمتاع والصناع في مثل ما اكترى ، ويكره في الركوب إلا أن يقيم أو يموت ، ( قال ابن حبيب ) : يجيز مالك ذلك في الأحمال إذا كان رب الدابة معها يتولاها ، وإلا كره لمثل الركوب لاختلاف سوق الناس ، إلا أن يكون المكتري ممن يتولى سوقها بنفسه ، وعلم ذلك المكري ، وفي الكتاب : متى حمل على الدابة أضر فربها مخير بين كراء دابته في فضل الضرر أو قيمتها . وكذلك إذا طحن على الرحا أصلب مما استأجرها له ، قال ابن يونس : وصفة كراء فضل الضرر : أن له الكراء الأول وما يزيد الحمل الضار صونا لما في العقد الأول من توفر أجره ، وقيل : كراء الثاني ما بلغ ; لأنه الذي استوفيت به المنفعة ، قال ابن [ ص: 511 ] ميسر : إذا اكتراها أياما معينة فاستعملها في دون ما اكتراها ، فعليه الكراء الأول ، وفي أكثر منه انفسخ الأول بمضي الأيام ، وعليه كراء المثل ما لم يكن أقل من المسمى ، وفي الكتاب : إن اكتراها من مصر إلى برقة ذاهبا وراجعا فتمادى إلى إفريقية ، ثم إلى مصر خير في أخذ كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهبا وراجعا مع الكراء الأول ، ونصف الكراء الثاني مع قيمتها يوم التعدي ، ردها بحالها أم لا ; لأنه ساقها وحبسها عن منافعها ، قال الأبهري : لو اكتراها على أن يردها من يومها فحبسه المطر أياما فعليه الكراء بذلك الموضع المحبوس فيه لتقوية المنافع تحت يده .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا زدت ميلا فعطبت ، فله الكراء الأول ويخير في قيمة كراء المثل ، أو قيمة الدابة يوم التعدي ، وضمنه ( ش ) وأحمد في الدابة أجرة المثل ، ولم يضمنه ( ح ) ; لأن المنافع عنده لا تضمن بالغصب ، وضمنه الأئمة الدابة في العطب من غير تخيير لفسخ التعدي ، موجب بالعقد عنده ، لنا : ما تقدم في زيادة الحمل ، ولو ردها بعد الأميال ، أو حبسها اليوم ونحوه : لم يضمن إلا كراء الزيادة ، خلافا للأئمة كذهاب العيب يسقط القيام به ، والأئمة تقول : اشتغلت الذمة بالقيمة فلا تبرأ إلا بالدفع ، والرد للدابة ليس بدفع القيمة ، وإن حبسها شهرا أو ردها بحالها فله الكراء الأول في قيمتها يوم التعدي ، وكراء ما عملت في زمن الحبس بغير عمل ، وإن لم يتغير ، وقال غيره : إن كان حاضرا [ ص: 512 ] معها ، فله فيما حبست بحساب الكراء الأول لأنه رضي بذلك أو غائبا ، ورددتها بحالها فله في الزيادة الأكثر من الكراء ذلك أو بحساب الكراء الأول حملت عليها شيئا أم لا ؛ لتفويتك المنافع بذلك أو قيمة الدابة يوم حبسها ، وكراء الأول له في كل حال توفية بالعقد ، قال ابن يونس : قال في الكتاب : نحو الميل ، وقال محمد يضمن ولو بخطوة لتحقيق التعدي . عمدة المشهور أن العادة المجاوزة اليسيرة ، وقيل : إذا حبسها أياما بعد فراغه ، وربها حاضر ، ولم ينكر فهلكت لا يضمنها على قول ابن القاسم ، وإن وجب عليه كراء المثل لأنه كان قادرا على أخذها ، وقال سحنون إذا ردها إلى الموضع الذي أمر بالبلوغ إليه ثم ماتت في الطريق فلا ضمان عليه كراد الوديعة بعد تسلفها ، وكمن زاد الحمل ثم نزع الزيادة ثم ماتت لم يضمن ، قال صاحب النكت : إذا زاد في الحمل المشترط ، وحمل الزيادة منفردة ضمن الدابة ، وإن كان الزائد لا يعطبها مثله كزيادة المسافة لأنه تعد صريح بخلاف حملها مختلطة ، وكذلك إذا زاد بعد فراغ الثور من الطحن يسيرا لا يعطب في مثله هو كزيادة المسافة لتمحض العدوان . فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يضمن حامل الدهن ، والطعام إذا هلك بالعثار أو رفس الدابة ، وانقطاع الحبل إلا أن يغر بذلك ; لأن أصله على الأمانة ، وضمنه ( ح ) بالعثار ، والزلق ، والعمد ، والخطأ في أموال الناس سواء ، وجوابه : أن ذلك مع عدم الإذن ، ويد الأمانة إما معها فلا يضمن إلا بالتعدي ، ولا يصدق في ذهاب الطعام ، والإدام إلا ببينة خلافا للأئمة للتهمة فيها فالتضمين من المصالح العامة كما تقدم في تضمين الصناع [ ص: 513 ] فرع

                                                                                                                لا يضمن حارس الحمام الثياب لأنه أجير ، قال اللخمي : ضمنه مالك في كتاب محمد إلا أن يأتي بحارس ، ولم يضمن الحارس ، وضمنه ابن حبيب لأنه أجير مشترك ولو أخذ الأجرة من صاحب الثياب لم يضمن أيضا لأنه أمين كالمودع يأخذ أجرا إلا أن تظهر منه خيانة ، ولا يضمن سائر الحراس ، وهم أولى بعدم الضمان من حارس الحمام ; لأن رب الثياب لم يقمه ، ولم يختره بل صاحب الحمام ، قال ابن يونس : قال مالك إذا استؤجر على تبليغ جارية فنام في الطريق فأبقت أو ماتت يحاسب في الإباق ، وله الأجرة كاملة في الموت ، وقال ابن القاسم يستعمل في مثل ذلك حتى تتم ، وقال ابن وهيب له من الأجر بقدر ما بلغ فقط . فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يضمن أجير الخدمة ما كسوه أو طعام عمله إلا أن يتعدى لأنه مأذون له في التصرف في البيت . فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أقر بقبض المتاع ، وقال عملته ورددته ، ضمن ؛ إلا أن يثبت رده ، وإلا حلفت ، وأخذت قيمته بغير صنعة ، قال ابن يونس : إذا قال مكتر ما يعاب عليه رددته صدق مع يمينه كما يصدق في تلفه أخذه ببينة أم لا بخلاف العارية والقراض ؛ لاختلاف العوائد في الرد بغير إشهاد ، وسوى أصبغ بين الكراء والقراض والوديعة في التصديق إلا أن يأخذ ببينة ; لأن الغالب أن المشهود عليه لا يرد إلا بشهادة . [ ص: 514 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترطت نسج غزلك تسعة في خمسة ، فعمل ستا في خمس : خيرت بين أخذه وله الأجرة كاملة ، وبين تضمينه قيمة الغزل لتعديه ، وقال غيره : بل يحاسب بما عمل إن أخذت ، وله الأجرة الكاملة ، وبين تضمينه قيمة الغزل لتعديه ، ( قال غيره : بل يحاسب بما عمل إن أخذت ) لتنقيصه المعدود عليه ، وعليه مثل الغزل إن ضمنت ; لأن الغزل مثلي موزون ، قال صاحب التنبيهات : قوله : يعطى الأجر كله ، قيل : معناه : إذا أدخل الغزل كله في الثوب ، وقيل : معناه إذا قال : اعمل هذا الغزل فدخل جميعه فحينئذ له الأجر كله ، أو اعمل من هذا الغزل ثوب كذا فإن عجز زدتك فيصنع أقل أو خلافه ، وأدخل الغزل كله ، فبحساب ما عمل ، قال صاحب النكت : قيل : معنى يعطى بحساب ما عمل : يسقط من المسمى ما بين العملين من أجرة المثل ، وقال ابن مسلمة : لو تعدى بالزيادة فعلى قول ابن القاسم الذي يرى النقصان كالعيب حتى يعطيه الأجرة كلها : لا أجرة له في الزيادة وعلى قول الغير الذي يجعل النقصان كنقصان الطعام : تكون له أجرة الزيادة ، وقيل : إن زاد متعمدا فلا أجرة له ; لأنه سمح بعمله ، وإلا فالأجرة المثل مع المسمى ، قال ابن يونس : إذا عدم المثل : عليه نسجه بالأجرة الأولى توفية بالعقد ، فإن عدم مثله فقيمته ، وهو مصدق في صفته مع يمينه ، وتنفسخ الإجارة ، وقال أصبغ : لا تنفسخ ، ويأتي رب الغزل بمثله ينسجه له ، وليس الغزل متعينا حتى لا يمكن بدله ، قال محمد : ولو كان كذلك لم تجز [ ص: 515 ] الإجازة ، والصانع مصدق في مخالفة الشرط ; لأنه مدعى عليه الغرامة ، وإذا زاد عامدا فلا أجرة له ، أو غالطا وأراد ربه أخذ الزيادة دفع الأجرة ، وإلا إن كان ينقسم بغير ضرر قطعت له الزيادة ، وإن أضر ذلك بأحدهما كانا شريكين إن لم يرض بدفع الأجرة ، وإذا قاسمه أو شاركه غرم مثل ما دخل الزيادة من الغزل ، قال مالك : ويصدق الصانع هاهنا في المخالفة بخلاف بناء البيت مقاطعة فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ، ويبدأ البناء باليمين ; لأنه صانع ، وينقض بناؤه ويأخذ نقضه ، وإن أراد أن يبني ما قاله خصمه فذلك له ، والفرق : أنه لم يحز ما عمل ، والحائك حاز فصدق ، قال اللخمي : استأجره على رداء فعمل عمامة ، له أخذ العمامة بأجرة المثل إلا أن يقر الصانع أنه عملها على المسمى ، ويكون على المستأجر الأقل من المسمى وأجرة المثل ، فإن دفع المسمى لم تبق بينهما إجارة لأنه وفى بالعقد ، أو أجرة المثل عاد الخلاف في نسج العقد ، ولو استأجره على صياغة فصاغ خلافها خير الصائغ بين إعادة صيغته كما استؤجر عليه بعد التصفية من اللحام المخالط ، أويغرم مثل الذهب ويصوغه ثانية إلا أن يكون فاسد الذمة ، فلصاحبه جبره على كسره وإعادته ، ولا يلزمه أخذ المثل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ضاع الثوب بعد القصارة ضمنه يوم القبض ، وليس لك إعطاء الأجرة ، وتضمينه إياه معمولا ; لأن الصنعة لم تضر في حوزك حتى يضمنها ، وإذا دعاك إلى قبض الثوب فلم تأخذه فهو ضامن حتى يصل إليك ، [ ص: 516 ] وإذا أفسد الخياط في قطعة فسادا يسيرا : فقيمة ما أفسد ، قال اللخمي : قوله هو ضامن حتى يصل إليك ، وإذا أفسد الخياط في قطعة : يريد : إذا لم يحضره ، فلو أحضره ورأيته مصنوعا على شرطك ، وقد دفعت الأجرة ، ثم رأيته عنده ، صدق في الضياع لخروجه عن الإجارة إلى الإيداع ، وإذا ضمن : فالمذهب يوم القبض ; لقوله - عليه السلام - : ( على اليد ما أخذت حتى ترده ) فأشار إلى وقت الأخذ ، وقيل : إلى آخر وقت رئي عنده ، وأصل محمد : إذا ثبت الفراغ ببينة ، للصانع الأجرة لتسليم الصنعة بوضعها في الثوب ، فيكون له دفع الأجرة ، وتغريمه قيمته مصبوغا ، ولو باع الثوب : كان الجواب على ما تقدم من الصناع ، فعلى المذهب : يخير بين إجارة البيع وتضمينه القيمة يوم القبض ، ويكون لك من الثمن ما ينوب الثوب غير مفروغ ، وعلى القول الآخر : لك تضمينه القيمة يوم البيع غير مصنوع ، أو ما ينوبه من الثمن ، وعلى قول محمد : لك دفع الأجرة وأخذ جملة الثمن .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية