الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا انبل بعض الحمولة قوم غير مبلول ومبلولا ويطرح من الكراء بقدر نقص القيمة ، قال أبو سعيد : فإن كان البلل بتعزير أو تفريط من صاحب المركب ضمن ، والنداوة القليلة لا تنقص الكراء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن القاسم : إذا طرح بعض الحمل للهول شارك أهل المطروح من لم يطرح لهم شيئا من متاعهم ، كان ما طرح ، وسلم لجميعهم في نمائه ونقصه بثمنه بموضع الشراء ، وإن اشتروا من موضع واحد بغير محاباة ; لأنهم صونوا بالمطروح مالهم ، والعدل : عدم اختصاص أحدهم بالمطروح ; إذ ليس أحدهم أولى من الآخر ، فاشترك الجميع ، فإن اشتروا من مواضع أو اشترى بعضهم دون بعض ، أو طال زمن الشراء حتى حال السوق ، اشتركوا بالقيم يوم الركوب دون يوم الشراء ; لأنه وقت الاختلاط ، وسواء طرح الرجل متاعه أو متاع غيره بإذنه أم لا ، ولمالك في التقويم بموضع الحمل أو موضع المحمول إليه لأنه المقصود بالحمل ، أو موضع الطرح ; لأنه موضع الإتلاف : ثلاثة أقوال ، قال ابن أبي زيد : ولا يشارك من لم يرم بعضهم بعضا ; لأنه لم يطرأ سبب يوجب ذلك ، بخلاف المطروح له مع غيره ، فإن رمى له نصف متاعه أخذه ممن لم يرم نصف متاعه ، ويكون شريكا لمن لم يطرح له في النصف الآخر بقيمة متاعه من قيمة متاعهم ، ولو رمي جميع متاعه ثم أخرج بعد ذهاب نصف قيمته شاركهم في نصف متاعهم ، كما لو رمي نصف متاعه ، وعليه من كراء السالم بقدر ما صار إليه ، وإذا أخرج نصف متاعه ناقصا فكراء حصة ما نقص على ثمن نقصه [ ص: 487 ] وأخرجه عليه ، وإذا رمي متاعه وابتل متاعهم بللا ينقص الثمن ، شاركهم بقيمة متاعهم ، ومتاعهم سالما بموضع الحمل ، فإن حدث بمتاعهم عيب قبل الحاجة للطرح : فقيمته معيبا بموضع الحمل ، ويحسب المطروح على كل ما يراد به التجارة ، وإن خف حمله كالجوهر ، قال ابن حبيب : وليس على صاحب المركب ولا على النواتي كانوا أحرارا أو عبيدا إلا أن يكونوا للتجارة فتحسب قيمتهم ، ولا على من لا متاع له ; لأن هذه كلها وسائل ، والمقصود بركوب البحر إنما هو مال التجارة ، ويرجع بالمقاصد في المقاصد ، ومن معه دنانير كثيرة يريد بها التجارة فكالتجارة ، بخلاف النفقة ، وما لا يراد به التجارة كما تقدم ، وقال ابن ميسر‌ : لا يلزم في العين شيء من المطروح ، وقال سحنون : يدخل المركب في قيمة المطروح ; لأنه مما سلم بسبب الطرح ، قال أبو محمد : إن خيف عليه أن يصدم قاع البحر فرمي لذلك دخل في القيمة ، وقال أهل العراق : يحسب المركب وما فيه للقنية أو للتجارة من عبيد وغيرهم ; لأنه سلم بسبب الطرح ، وجوابهم : أن المركب شأنه أن يصل برجاله سالما إلى البر ، وإنما يغرقه ما فيه من التجارة ، وإزالة السبب المهلك لا توجب شركة ، بل فعل السبب المنجي ، وهو فرق حسن فتأمله ، قال : ولا يختلف قول مالك وأصحابه أن ما للقنية كالعبيد والجواهر والمصاحف لا تدخل في حساب ما طرح ، وما طرح منه فمن صاحبه دون غيره ، قال ابن القاسم : ويصدق صاحب المطروح في ثمنه مع يمينه ما لم يستكثر ; لأنه أمر لا يعلم إلا من قبله ، وقال سحنون : يقبل بغير يمين إلا أن يتهم ، فإن ادعى أنه طرح له أمتعة كثيرة وأنكر الرايس ذلك . رجع إلى الشرط لجري أموال الناس عليه ، ويصدق [ ص: 488 ] فيما دخل الشربيل مع يمينه إذا أشبه أن يهلك مثله ، وإذا ادعى قيمته ونازعوه في الصفة صدقوا مع أيمانهم ; لأنهم مدعى عليهم الشركة ، فإن جهلوها صدق مع يمينه ، فإن ادعى صاحب المركب أن الهول رمى بعض شحنته ولم يكونوا معه ، وكذبوه ، صدق في العروض دون الطعام عند ابن القاسم ; لاتهامه على أكل الطعام ، قال أبو محمد : إذا صالحوا صاحب المطروح بدنانير ولا يشاركهم ، جاز إذا عرفوا بما يلزمهم في القضاء ، فإن طرح خرج بعد الطرح من البحر سالما فهو له ، ونزول الشركة ، أو خرج وقد نقصت قيمته انتقص نصف الصلح ، ويرد نصف ما أخذ ، ويكون الخارج له ، وعليه قيمة الكراء على ما تقدم .

                                                                                                                سؤال ، إذا وجدت الدابة المصالح عليها في التعدي أو العارية ، تكون لمن صالح عليها ، فما الفرق ؟ .

                                                                                                                جوابه : أن التعدي ينقل الذمة ، والبحر شيء توجبه الضرورة ، فلا يجعل الصلح فيه تبعا لا ينتقض . قال الطرطوشي في تعليقه : إذا لم يكن في السفينة غير الآدميين لم يجز رمي أحدهم لطلب نجاة الناس ، وإن كان ذميا ، ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم ، وهذا الطرح عند الحاجة واجب ، ولا يجري في هذه بطرح الأمتعة ثم البهائم ، وهذا الطرح عند الحاجة واجب ، ولا يجري في هذه المسألة القولان اللذان للعلماء في درء الداخل عليه البيت لطلب النفس أو المال ، ولا من اضطر إلى الميتة ، أحدهما : يجب الدفع والأكل للخلاص من الهلكة ، وثانيهما : لا يجب لخبر ابن آدم ، ولقوله - عليه السلام - : " كن عبد الله [ ص: 489 ] المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل ) وعليه اعتمد عثمان - رضي الله عنه - في تسليم نفسه ، والفرق : أن التارك للقتل والأكل ثمت تارك لئلا يفعل محرما ، وهاهنا لبقاء المال ، واقتناؤه ليس واجبا ، وأكل الميتة وسفك الدم محرم ، وما وضع المال إلا وسيلة لبقاء النفس ، ولم يوضع قتل الغير والميتة وسيلة لذلك . قال مالك : وإذا اشترى أحدهم بدين فطرح حسب ثمنه على النقد بغير زيادة وإن حوبي ألحق بتمام القيمة في الموضع الذي حمل منه ، ولا يضمن الطارح ما طرح اتفاقا ، ولمالك في أكل طعام الغير للجماعة قولان ، ولا يضمن بدفع الفحل عن نفسه بالقتل القتل ; لأنه كان يجب على صاحبه قتله صونا للنفس فقام عن صاحبه بواجب ، وقال ( ح ) و ( ش ) : لا يضمن منهم إلا الطارح إن طرح مال غيره ، وإن طرح نفسه فمصيبته منه ، ولو استدعى غيره منه ذلك ، ووافقونا إذا قال : اقض عني ديني فقضاه ، وفي اقتراض المرأة على زوجها الغائب واقتراض الوصي لليتيم فإنه يأخذ من مال يطرأ له . لنا القياس على هذه الصور بجامع السعي في القيام عن الغير بواجب ; لأنهم أجمعين يجب عليهم حفظ نفوسهم وأموالهم ، فمن بادر منهم قام بذلك الواجب ، احتجوا بأن السلامة بالطرح غير معلومة بخلاف الصياد ، وبالقياس على الآدميين ، وأموال القنية لا يتعلق بها المطروح .

                                                                                                                والجواب على الأول : أنه ينتقض بإطعام المضطر فإنه يضمن مع احتمال هلاكه بالأكل ، بل يعتمد في ذلك العادة ، وقد شهدت بأن ذلك سبب للسلامة فيها ، مع احتمال النقيض ، وعن الثاني : ما تقدم أول المسألة من [ ص: 490 ] الفرق ، وقال الطرطوشي : القياس : التسوية بين التجارة والقنية ; لأن العلة صون الأموال والكل يثقل السفينة ، ولذلك قال ابن بشير : لاشيء في العين ; لأنه لا يثقلها ولا تخف بطرحه ما عدا الآدمي . وفي الجواهر : يطرح ما عدا الآدمي ، ويبدأ بما ثقل وزنه وقل ثمنه ويقوم إما وقت التلف ‌‌‌‌‌‌كالمتلفات ، أو أقرب المواضع إلى البر الذي يقدم إليه لعدم القيمة موضع الطرح ، أو في المكان الذي يحمل إليه ، أو الثمن الذي اشتري به لأنه الأصل ، أربعة أقوال .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية