الشرط الثالث : كون المنفعة متقومة  احترازا من التافه الحقير الذي لا تجوز مقابلته بالمال في نظر الشرع ، قال في الجواهر : واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب  ، ومنع  ابن القاسم  استئجار الدراهم والدنانير لتزيين الحوانيت ، وكل ما لا يعرف خشية السلف بزيادة الأجرة ، وأجاز ذلك  القاضي أبو بكر  وغيره إذا كان ربها حاضرا معها ، وجوزه الأئمة مطلقا إلا ( ش ) منعه لعدم التقويم ، ومنع الطعام للزينة والتفاحة للشم بخلاف التفاح الكبار ، ومنع الأشجار للتجفيف ، كل ذلك لعدم التقويم . 
فرع 
قال  اللخمي     : إجارة الثياب والحلي للشيء اليسير  أجازها  مالك  مرة وكرهه أخرى ; لأن أخذ الأجرة على ذلك ليس من مكارم الأخلاق ، والقولان في الكتاب . 
فرع 
في الكتاب : يجوز كراء المصحف  كبيعه ، وعلى كتابته ، وعلى تعليمه كل سنة بكذا ، وعلى الحذاق أو تعليمه كله أو جزئه بكذا ; لأنه متقارب عرفا ، وقاله ( ش ) غير أنه اشترط التحديد بالسور أو بالزمان لتكون المنفعة معلومة ; لقوله - عليه السلام - في الصحيحين : " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله   " . 
 [ ص: 401 ] ومنح ( ح )  وأحمد  أجرة التعليم وكل ما فيه قربة تختص بالمسلم  ، كالأذان والصلاة والحج لما في  الترمذي  قال   عثمان بن أبي العاص     " آخر ما عهد إلي النبي - عليه السلام - أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا   " ولأنها قرب يعود نفعها على آخذ الأجرة ، والعوض والمعوض لا يجتمعان لشخص . 
والجواب عن الأول : أن ترك الأخذ أفضل إجماعا ، فالأمر به لا يدل على تحريم الأخذ ، وعن الثاني : أن الأجرة قبالة التزام المواضع المعينة في الأذان ونحوه ، أو قبالة تعيين ما لم يتعين على أخذ الأجرة ، وليست قبالة أصل القربة ، فهذه الأشياء وإن كانت قربا لكن لا يتعين على المسلم فعلها بالأجرة للتعيين ، وجوز الإجارة على الخط ، والحساب ، وبناء المساجد ، وكتابة المصاحف    ; لأن فعل هذه لا يتوقف وقوعه على أهلية التقرب ، من الإسلام وغيره ، ومنع ( ش ) الإجارة في الصلاة وكل عبادة تمتنع النيابة فيها  ، بخلاف تفرقة الزكاة ، والحج ، وغسل الميت ; لدخول النيابة فيها . 
والأجير نائب ، فحيث جاز النائب جاز الأجير ، قال في الكتاب : وتجوز على الكتابة فقط ، وعليها مع القرآن مشاهرة ، وله اشتراط شيء معلوم مع أجرته كل فطر وأضحى ، قال : وأكره على تعليم الفقه والفرائض  كما أكره بيع كتبها ، قال  ابن يونس     : منع  ابن حبيب  إجارة المصحف بخلاف بيعه ، وقاله ( ح ) فيه ، وفي الكتاب : لأن القراءة والنظر فيها فعله فلا يعطى على فعل نفسه أجرا ، والثمن في البيع للورق والخط وفي الإجارة لنفس القرآن ، وهو ليس متقوما . 
 [ ص: 402 ] قاعدة : الإجارة مبنية على البيع فكل ما جاز بيعه جازت إجارته ، والأعيان على ثلاثة أقسام : ما اتفق على جواز بيعه وقبوله للملك والمالية ، كالدار والعبد ، وما اتفق على منع بيعه وقبوله للمالية إما لعدم اعتباره شرعا كالمحرمات من الميتة وغيرها ، أو لعدم القيمة فيه عرفا كالنظر إلى السماء والتوجه تلقاء الهواء أو التفرج على الرياض وغير ذلك ، وما اختلف فيه هل هو من القسم الأول أو من الثاني ، وهو نحو هذه المسائل ، قال  ابن يونس     : وقد بيعت المصاحف أيام  عثمان     - رضي الله عنه - ولم ينكر الصحابة ذلك ، فكان ذلك إجماعا ، قال  ابن يونس     : وإجازة  ابن حبيب  الإجارة على تعليم القرآن  يبطل منع إجارة المصحف    ; لأن المصحف كالمعلم ، واستعمال بدن المعلم كاستعمال المصحف عن صاحبه وثمره وورقه وجلده ، لكن المعلم ينتفع بزيادة حفظه بالتعليم بخلاف المصحف ، ويجوز عند  مالك  وأصحابه : اشتراط السنة والسنتين ، وليس لأب الصبي إخراجه حتى يتم الشرط إلا أن يدفع إليه جميع الأجرة ، والشرط لازم للمعلم أيضا . فإن قال : كل شهر بكذا ، فلكل واحد منهما الترك ، قال   سحنون     : ويحمل الناس في الحذاق وغيرها على العوائد ، إلا أن يشترطوا شرطا ، والحذاق على قدر حال الأب ، قال   سحنون     : وإذا بلغ ثلاثة أرباع القرآن فقد وجبت له الختمة ، وتوقف في الثلثين ; لأن الباقي تبع ، وقياسا على منع السيد من نزع مال المعتق إلى أجل إذا قرب ، ولأبيه إخراجه إذا بلغ الربع ، ولا شيء للمعلم من أجرة الختمة  ، وإنما له إذا قاربها لشبهها بالجعالة ، قال  ابن حبيب     : ويقضى بالحذاق على حفظ القرآن . قال  أصبغ     : ولا يضر الغلط اليسير بخلاف أن يكون مستمرا في القراءة ولا يحسن الهجاء ، وإذا شرط المعلم أن له في الحذقة كذا فأخرجه الأب فعليه الحذقة بقدر ما مضى منها ،   [ ص: 403 ] وإذا لم يبق من الحذقة إلا السور اليسيرة فأخرجه فله الحذقة ; لأن اليسير تبع ، قال : ولا يلزم الأب حق الأعياد لأنها مكارمة في أعياد المسلمين ، مكروهة في أعياد النصارى ، قال  ابن يونس     : إن كان عرفا كالشرط ، وكره  مالك  تعليم المشركين الخط    ; لأنهم يستعينون به على إلقاء الشبه إذا كبروا ، وكره تعليم المسلم عند الكفار كتابهم    ; لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وأجاز غير  مالك  بيع الفقه والإجارة على تعليمه    ; لأنه إشغال للمعلم وأخذ منافعه ، وإنما كره  ابن القاسم     ; لأن العمل عندهم ليس عليه بخلاف القرآن ، قال  اللخمي     : إنما تجوز الإجارة على تعليم القرآن  إذا عين مدة دون ما يتعلم فيها ، أو ما يتعلم من حذقة وشيء معلوم ، كربع ونصف ، أو الجميع دون تحديد مدة ، والجمع بينهما ممنوع للغرر ، فإن فعل وكان يجهل تعلم ذلك في تلك المدة فسدت الإجارة أو الغالب التعليم فيها فأجيز ، ومنع ، فإن انقضى الأجل ولم يتعلم فيه ذلك الجزء : فله أجرة مثله ما لم تزد على المسمى ، وفي الجلاب : منع الإجارة إلا مدة معلومة ; لأن أفهام الصبيان تختلف ، فقد لا يتعلم الجزء إلا في مدة بعيدة . 
فرع 
في الكتاب : تكره إجارة قسام القاضي وحسابهم  ، وكان  خارجة  ومجاهد  لا يأخذان أجرا ، قال  ابن يونس     : قال   سحنون     : إنما كرهه لأنهم كانت لهم أرزاق من أموال اليتامى ، قال  اللخمي     : أجرته جائزة من بيت المال إذا نصبوا أنفسهم لذلك ، ويمنع إذا كان من أموال اليتامى ، ويجوز أن يأخذوه ممن يقسمون له من غنائم أو يتامى أو رشداء أو غيرهم ، وهل هي بين الشركاء على قدر الأنصباء أو العدد ؟ قولان ، قال : وأرى في القاسم والكاتب والسمسار أنها على الأنصباء لأنه العادة اليوم . 
فرع 
في الكتاب : لا يصلح أن يبني مسجدا أو بيتا فيكريه ممن يصلي فيه  ، فإن   [ ص: 404 ] نزل قضي له بالثمن ، وأجازه غيره في البيت ; لأن منفعة البيت متقومة . ويجوز كراء داره على أن تتخذ مسجدا عشر سنين ، والنقض بعد ذلك للباني ، وترجع الأرض لربها ، قال صاحب التنبيهات : إن أباح المسجد بعد بنائه صار حبسا لا حق فيه لأحد ، وإن لم يبحه بل فعل ذلك ليكريه ، فليس من مكارم الأخلاق ، وهو معنى منعه كإجازة المصحف ، ولا كراهة في الأرض ; لأن للمكتري أن يفعل ما يشاء ، ولو سلم البيت لمكتريه لكان كالأرض ، وإنما يكره كراؤه لأنه ليس من مكارم الأخلاق ، وعلى هذا يحتمل أن يكون قول الغير وفاقا أو يكونان تكلما على وجهين ، أو يكون الغير تكلم على الفعل بعد الوقوع ،  وابن القاسم  فيه ابتداء ، قال  ابن يونس     : قال   سحنون     : إنما منع في المسجد لأنه حبسه ، والحبس لا يؤاجر ، وإذا أخذ باني نقض المسجد جعلها في غيره ، قال  أبو محمد     : وقول  ابن القاسم  أصوب ; لأن هذه ليست كاستحقاق أرض بعد بنائها مسجدا ; لأن البناء خرج هناك لله على التأبيد ، وهنا مدة معينة ، كمن دفع فرسه لمن يغزو عليه غزوة ، فإنه يرجع إليه ، وليس لصاحب الأرض دفع قيمة البناء مقلوعا ; لأنه لا ينتفع ببقائه على صورة المسجد ، وإذا لم ينفع إلا بعد النقض فصاحبه أولى بخلاف الاستحقاق إلا أن يقول : أنا أبقيه مسجدا مؤبدا ، فله أخذه فتجب تبقيته مسجدا ، قال  اللخمي     : إذا بنى مسجدا فحيز عنه ، أو صلى الناس فيه زال ملكه فيه ، وإن بناه ليكريه جاز وله بيعه ، ولو صلى الناس فيه ، وإن بني ليصلى فيه ولم يحز عنه ولا صلى الناس فيه ، وامتنع من إخراجه من يده لم يجبر ، فإن مات قبل إجباره ، أو كان على العادة حبسا فهل يمضى حبسا أو ميراثا قياسا على الصدقات إذا لم يفرط في خروجها حتى مات ؟ قولان ، وإذا أكرى الأرض لتتخذ مسجدا مدة فانقضت  ، فللباني نقض ما لا يصلح للسكنى ، ولا يوافق بناء الديار ، وما يصلح للسكنى ولم يحبسه : كان   [ ص: 405 ] لصاحب الدار أخذه بقيمته منقوضا ، واختلف إذا حبسه هل يأخذه بالقيمة ؟ وهو أحسن . 
فرع 
في الكتاب : تكره على تعلم الشعر والنحو وكتابتهما  ، وإجارة كتبهما كما يكره بيع كتبهما ، وهي أولى بالكراهة من كتب الفقه ، قال  ابن يونس     : أجازها  ابن حبيب  في الشعر والنحو وأيام العرب والرسائل ونحوها مما يليق بذوي المروآت ، بخلاف شعر الهجاء والخمر والخنا . 
فرع 
تكره على الحج والإمامة في الفرض والنفل بخلاف الأذان والإقامة والإمامة ; لأنها على الإقامة بالمسجد ولزوم موضع مخصوص ، ومنع  ابن حبيب  في الأذان والإقامة والإمامة لحديث  الترمذي  المتقدم ، قال  ابن يونس     : أجاز   ابن عبد الحكم  الإجارة على الإمامة  لالتزامه موضعا مخصوصا ، وإذا جوزنا في الأذان  فأخل ببعض الصلوات هل يسقط حصة ذلك أم لا ؟ قال  اللخمي     : وأجاز  مالك  في الكتاب : الإجارة على الإمامة إذا جمعت مع الأذان في عقد هو كالغرر تبعا لا مستقلا . 
فرع 
تكره إجارة الدف والمعازف  لأنه ليس من عمل أهل الخير ، وكان يضعفه ، قال صاحب التنبيهات : ضرب الدف في العرس مباح ، لكن ليس كل مباح تصح إجارته ، قال  ابن يونس     : ينبغي الجواز في الدف المباح ، ومعنى : يضعفه : أي يضعف قول غيره . 
				
						
						
