الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وليس للابن مطالبة أبيه بدين ، ولا قيمة متلف ، ولا أرش جناية ، ولا غير ذلك ) . [ ص: 160 ] هذا المذهب . وعليه الأصحاب . وقطع به أكثرهم . وهو من مفردات المذهب . وقال في الرعاية : قلت : ويحتمل أن يطالبه بما له في ذمته ، مع حاجته إليه ، وغنى والده عنه . قال في الرعاية الصغرى : ولا يطالب أباه بما ثبت له في ذمته في الأصح ، بقرض وإرث ، وبيع ، وجناية ، وإتلاف .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أن ذلك يثبت في ذمته ، ولكن يمنع من المطالبة به . وهو أحد الوجهين . والمذهب منهما قدمه في المغني . وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والرعاية ، والحاوي . قال الحارثي : وهو الأصح . وبه جزم أبو بكر ، وابن البنا . وهو من المفردات . قال الحارثي : ومن الأصحاب من يقول يثبت الدين ، وانتفاء المطالبة . منهم القاضي ، وأبو الخطاب ، وابن عقيل ، والمصنف . انتهى . واختاره المجد في شرحه . وقدم في الفروع : إذا أولد أمة ابنه : أنه تثبت قيمتها في ذمته . ذكره في باب أمهات الأولاد .

والوجه الثاني : لا يثبت في ذمة الأب شيء لولده . وهو المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله . وتأول بعض الأصحاب النص . قال المصنف : ويحتمل أن يحمل المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله وهو قوله " إذا مات الأب بطل دين الابن " وقوله فيمن أخذ من مهر ابنته شيئا فأنفقه " ليس عليه شيء " ولا يؤخذ من بعده على أن أخذه له وإنفاقه إياه : دليل على قصد التملك . [ ص: 161 ] قال الحارثي : محل هذا في غير المتلف . أما المتلف : فإنه لا يثبت في ذمته . وهو المذهب بلا إشكال . ولم يحك القاضي في رءوس مسائله فيه خلافا . انتهى . وأطلقهما في الشرح ، والرعاية الكبرى ، والفائق ، والفروع . فعلى الوجه الأول : هل يملك الأب إبراء نفسه من الدين ؟ قال القاضي : فيه نظر . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يملك الأب إسقاط دين الابن عن نفسه . قال في الفروع : وذكر غير القاضي : أنه لا يملكه كإبرائه غريم الابن وقبضه منه . انتهى .

ويأتي قريبا في القاعدة الثالثة : هل يسقط الدين بموت الأب ؟ وظاهر كلام المصنف أيضا : أنه لو وجد عين ماله الذي باعه أو أقرضه بعد موت أبيه : أن له أخذه ، إن لم يكن انتقد ثمنه . وهو إحدى الروايتين . وقدم في المغني كما تقدم أن الأب إذا مات يرجع الابن في تركته بدينه . لأنه لم يسقط عن الأب . وإنما تأخرت المطالبة به . انتهى . قلت : هذا في الدين . ففي العين بطريق أولى .

والرواية الثانية : ليس له أخذه . وأطلقهما في المبهج ، والرعاية الكبرى ، والفروع ، والفائق ، وشرح الحارثي قال في المبهج ، والحارثي : وكذا لو وجد بعضه .

فوائد : الأولى : ليس لورثة الابن مطالبة أبيه بما للابن عليه من الدين وغيره . كالابن نفسه ، على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، والحارثي . [ ص: 162 ] وقدمه في الفروع ، وغيره . وقيل : لهم المطالبة وإن منعنا الابن منها . وأطلقهما في الفائق . وقال في الانتصار فيمن قتل ابنه إن قلنا : الدية للوارث ، طالبه ، وإلا فلا الثانية : لو أقر الأب بقبض دين ابنه ، فأنكر الابن : رجع على الغريم . ويرجع الغريم على الأب . نقله مهنا . قال في الفروع : وظاهره لا يرجع مع إقراره . الثالثة : لو قضى الأب الدين الذي عليه لابنه في مرضه ، أو أوصى له بقضائه كان من رأس المال . قاله الأصحاب . وإن لم يقضه ولم يوص به : لم يسقط بموته ، على أحد الوجهين . اختاره بعضهم . وقدمه في الفروع ، والمغني . والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله : أنه يسقط كحبسه به في الأجرة ، فلا يثبت كجناية . قدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وغيرهم . وجزم به ابن عبدوس في تذكرته . وأطلقهما في الشرح . وقيل : ما أخذه ليملكه يسقط بموته ، وما لا فلا . وتقدم إذا وجد عين ماله الذي باعه بعد موت الأب . وتقدم : هل يثبت له في ذمة أبيه دين أم لا . ؟ . الرابعة : للابن مطالبة أبيه بنفقته الواجبة عليه . قاله الأصحاب . قال في الوجيز : له مطالبة بها ، وحبسه عليها . وهو مستثنى من عموم كلام من أطلق . ويعايى بها . قال في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم : للابن مطالبة أبيه بعين له في يده . [ ص: 163 ] قلت : وهو ظاهر كلام المصنف .

الخامسة : هل لولد ولده مطالبته بما له في ذمته ؟ قال في الرعاية ، قلت : يحتمل وجهين . وإن قلنا : لا يثبت في ذمته شيء فهدر . انتهى . قلت : ظاهر كلام أكثر الأصحاب : أن له مطالبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية