الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن قال : قد رجعت في تدبيري ، أو أبطلته : لم يبطل . لأنه تعليق للعتق بصفة ) . هذا المذهب . بلا ريب . قال الزركشي : هذا المذهب عند الأصحاب . اختاره القاضي ، وقال في كتاب الروايتين : هذه الرواية أجود الروايتين . وصححها ابن عقيل في التذكرة . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المحرر ، والنظم ، والفروع ، وغيرهم . قال في الخلاصة : لم يبطل على الأصح . وصححه المصنف ، والشارح ، وغيرهما . وعنه : يبطل كالوصية . قدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والفائق . وعنه : لا يبطل إلا لقضاء دينه . [ ص: 435 ] وفي التبصرة رواية : لا يبطل في الأمة فقط . فعلى الرواية الثانية : لا يصح رجوعه في حمل لم يوجد . وإن رجع في حامل ، ففي حملها وجهان . وأطلقهما في الفروع ، والرعايتين ، والقواعد الفقهية ، والزركشي قلت : الصواب أنه لا يكون رجوعا فيه .

تنبيهان أحدهما : قال في الترغيب وغيره : محل الروايتين : إذا لم يأت بصريح التعليق أو بصريح الوصية . واقتصر عليه في الفروع .

الثاني : قوله " لأنه تعليق للعتق على صفة " . تقدم في " كتاب العتق " أنه يصح تعليق العتق على صفة في كلام المصنف .

فائدة : اعلم أن التدبير هل هو تعليق للعتق على صفة ، أو هو وصية ؟ فيه روايتان . الصحيح منهما وهو المذهب . وعليه أكثر الأصحاب أنه تعليق للعتق على صفة .

تنبيه : ينبني على هذا الخلاف مسائل جمة .

منها : لو قتل المدبر سيده : هل يعتق ، أم لا ؟ على ما يأتي آخر الباب في كلام المصنف .

ومنها : بيعه وهبته : هل يجوز أم لا ؟ على ما يأتي قريبا في كلام المصنف أيضا .

ومنها : هل اعتباره من الثلث ، أم من كل المال ؟ على ما تقدم في أول الباب .

ومنها : إبطال التدبير والرجوع عنه بالقول . وهي مسألة المصنف المتقدمة . قال ابن رجب : بناهما الخرقي والأصحاب على هذا الأصل . فإن قيل هو وصية : جاز الرجوع عنه . وإن قلنا هو عتق بصفة : فلا . قال : وللقاضي ، وأبي الخطاب في تعليقيهما طريقة أخرى : أن الروايتين هنا مبنيتان على قولنا إنه وصية : تنجز بالموت ، من غير قبول ، بخلاف بقية الوصايا . [ ص: 436 ] وهو منتقض بالوصية لجهات البر . قال : ولأبي الخطاب في الهداية طريقة ثالثة ، وهي : بناء هاتين الروايتين على جواز الرجوع بالبيع . أما إن قلنا : يمتنع الرجوع بالفعل ، فبالقول أولى .

ومنها : لو باع المدبر ثم اشتراه : فهل يكون بيعه رجوعا ، فلا يعود تدبيره ، أم لا يكون رجوعا ، فيعود ؟ فيه روايتان أيضا . بناهما القاضي والأكثرون على هذا الأصل . فإن قلنا : التدبير وصية : بطلت بخروجه عن ملكه ، ولم تعد بعوده . وإن قلنا : هو تعليق بصفة : عاد بعود الملك . بناء على أصلنا في عود الصفة بعود الملك في العتق والطلاق . وطريقة الخرقي ، وطائفة من الأصحاب : أن التدبير يعود بعود الملك هنا . رواية واحدة . بخلاف ما إذا أبطل تدبيره بالقول . وهو يتنزل على أحد أمرين . إما أن الوصية لا تبطل بزوال الملك مطلقا . بل تعود بعوده . وإما أن هذا حكم الوصية بالعتق خاصة . ويأتي أصل المسألة في كلام المصنف قريبا .

ومنها : لو قال " عبدي فلان حر بعد موتي بسنة " فهل يصح ويعتق بعد موته بسنة ، أم يبطل ؟ على روايتين . وتقدم ذلك في كلام المصنف ، في " كتاب العتق " فليراجع .

ومنها : لو كاتب المدبر ، فهل يكون رجوعا عن التدبير أم لا ؟ على ما يأتي في كلام المصنف قريبا .

ومنها : لو وصى بعبده . ثم دبره . ففيه وجهان . أشهرهما : أنه رجوع عن الوصية . والثاني : ليس برجوع . فعلى هذا : فائدة الوصية به : أنه لو أبطل تدبيره بالقول ، لا يستحقه الموصى له . ذكره في المغني . [ ص: 437 ] وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ينبني على أن التدبير : هل هو عتق بصفة أو وصية ؟ فإن قلنا : هو عتق بصفة ، قدم على الموصى به ، وإن قلنا : هو وصية ، فقد ازدحمت وصيتان في هذا العبد . فينبني على أن الوصايا المزدحمة إذا كان بعضها عتقا هل تقدم ، أم يتحاص العتق وغيره ؟ على روايتين . فإن قلنا بالمحاصة : فهو كما لو دبر نصفه ووصى بنصفه ، ويصح ذلك على المنصوص . انتهى . قال في الفوائد ، وقد يقال : الموصى له ، إن قيل : لا يملك حتى يقبل ، فقد سبق زمن العتق زمن ملكه فينفذ . وإن قيل : يملك من حين الموت ، فقد تقارن زمن ملكه وزمن العتق فينبغي تقديم العتق . كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في مسألة من علق عتق عبده ببيعه .

ومنها : الوصية بالمدبر ، فالمذهب : أنها لا تصح . ذكرها القاضي ، وأبو الخطاب في خلافيهما . لأن التدبير الطارئ إذا لم يبطل الوصية على المشهور فكيف يصح طريان الوصية على التدبير ومزاحمتها له ؟ وبنى المصنف هذه المسألة أيضا على الأصول السابقة .

ومنها : ولد المدبرة . هل يتبعها في التدبير أم لا ؟ على ما يأتي في كلام المصنف قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية