الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : إذا مات كافر عن حمل من كافر غيره . فأسلمت أمه قبل وضعه ، مثل أن يخلف أمه حاملا من غير أبيه : فحكمه حكم المسألة الأولى . قاله الأصحاب . قال في الرعاية : ويحتمل أن يرث حيث ثبت النسب . [ ص: 333 ]

تنبيه : روي عن الإمام أحمد رحمه الله في ذلك نصوص نذكرها . ونذكر ما فسره الأصحاب به . فنقول : روى جعفر عنه في نصراني مات وامرأته نصرانية ، وكانت حبلى . فأسلمت بعد موته ، ثم ولدت ، هل يرث ؟ قال : لا . وقال : إنما مات أبوه وهو لا يعلم ما هو ، وإنما يرث بالولادة . وحكم له بحكم الإسلام . وقال محمد بن يحيى الكحال ، قلت لأبي عبد الله : مات نصراني ، وامرأته حامل . فأسلمت بعد موته ؟ قال : ما في بطنها مسلم . قلت : أيرث أباه إذا كان كافرا وهو مسلم ؟ قال : لا يرثه . فصرح بالمنع من إرثه لأبيه ، معللا بأن إرثه يتأخر إلى ما بعد الولادة . وإذا تأخر توريثه إلى ما بعد الولادة ، فقد سبق الحكم بإسلامه زمن الولادة ، إما بإسلام أمه ، كما دل عليه كلام الإمام أحمد رحمه الله هنا ، أو بموت أبيه ، على ظاهر المذهب . والحكم بالإسلام لا يتوقف على العلم به ، بخلاف التوريث . وهذا يرجع إلى أن التوريث يتأخر عن موت الموروث إذا انعقد سببه في حياة الموروث وأصول الإمام أحمد رحمه الله تشهد لذلك . ذكره ابن رجب في قواعده وقال : وأما القاضي والأكثرون : فاضطربوا في تخريج كلام الإمام أحمد رحمه الله ، وللقاضي في تخريجه ثلاثة أوجه . الأول : أن إسلامه قبل قسم الميراث أوجب منعه من التوريث . وهي طريقة القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الفصول .

قال ابن رجب : وهي ظاهرة الفساد . والوجه الثاني : أن هذه الصورة من جملة صور توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أبيه . ونصه هذا يدل على عدم التوريث . فتكون رواية ثانية في المسألة . وهذه طريقة القاضي في الروايتين . [ ص: 334 ] قال ابن رجب : وهي ضعيفة . لأن الإمام أحمد رحمه الله صرح بالتعليل بغير ذلك . ولأن توريث الطفل من أبيه الكافر وإن حكم بإسلامه بموته غير مختلف فيه ، حتى نقل ابن المنذر وغيره : الإجماع عليه . فلا يصح حمل كلام الإمام أحمد رحمه الله على ما يخالف الإجماع . والوجه الثالث : أن الحكم بإسلام هذا الطفل حصل بشيئين : بموت أبيه ، وإسلام أمه . وهذا الثاني مانع قوي . لأنه متفق عليه . فلذلك منع الميراث ، بخلاف الولد المنفصل إذا مات أحد أبويه . فإنه يحكم بإسلامه ، ولا يمنع إرثه . لأن المانع فيه ضعيف للاختلاف فيه . وهذه طريقة القاضي في خلافه . قال ابن رجب : وهي ضعيفة أيضا ، ومخالفة لتعليل الإمام أحمد رحمه الله . فإنه إنما علل بسبق المانع لتوريثه ، لا بقوة المانع وضعفه . وإنما ورث الإمام أحمد رحمه الله من حكم بإسلامه بموت أحد أبويه لمقارنة المانع لا لضعفه . انتهى ما ذكره في القواعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية