الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (33) قوله تعالى: أفمن هو قائم : "من" موصولة، صلتها "هو قائم" والموصول مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع. ودل على هذا المحذوف قوله: وجعلوا لله شركاء ونحوه قوله تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام تقديره: كمن قسا قلبه، يدل عليه: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله وإنما حسن حذفه كون الخبر مقابلا للمبتدأ. وقد جاء منفيا كقوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق [ ص: 56 ] أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وجعلوا يجوز أن يكون استئنافا وهو الظاهر، جيء به للدلالة على الخبر المحذوف كما تقدم تقريره. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقدر ما يقع خبرا للمبتدأ، ويعطف عليه و "جعلوا"، وتمثيله: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه، وجعلوا له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده شركاء. قال الشيخ: "وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله: "وجعلوا لله: أي: له"، وفيه حذف الخبر عن المقابل، وأكثر ما جاء هذا الخبر مقابلا. وقيل: الواو للحال والتقدير: أفمن هو قائم على نفس موجود، والحال أنهم جعلوا له شركاء، فأقيم الظاهر - وهو الله - مقام المضمر، تقريرا للإلهية وتصريحا بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية: "ويظهر أن القول مرتبط بقوله: وجعلوا لله شركاء كأن التقدير: أفمن له القدرة والوحدانية، ويجعل له شريك، أهل أن ينتقم ويعاقب أم لا". وقيل: "وجعلوا" عطف على "استهزئ" بمعنى: ولقد استهزؤوا وجعلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: وهو معطوف على "كسبت"، أي: وبجعلهم لله شركاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 57 ] قوله: أم تنبئونه أم هذه منقطعة مقدرة بـ "بل" والهمزة، والاستفهام للتوبيخ: بل أتنبئونه شركاء لا يعلمهم في الأرض، ونحوه: قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ، فجعل الفاعل ضميرا عائدا على الله، والعائد على "ما" محذوف، تقديره: بما لا يعلمه الله، وقد تقدم في تلك الآية أن الفاعل ضمير يعود على "ما" وهو جائز هنا أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أم بظاهر الظاهر أنها منقطعة. و "الظاهر" هنا قيل: الباطل. وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      2862 - أعيرتنا ألبانها ولحومها وذلك عار يا بن ريطة ظاهر

                                                                                                                                                                                                                                      أي: باطل، وفسره مجاهد "بكذب" وهو موافق لهذا. وقيل: "أم" متصلة، أي: أتنبئونه بظاهر لا حقيقة له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وصدوا قرأ الكوفيون "وصدوا" مبنيا للمفعول، وفي (غافر) وصد عن السبيل كذلك. وباقي السبعة مبنيين للفاعل. و "صد" جاء لازما ومتعديا، فقراءة الكوفة من المتعدي فقط، وقراءة الباقين تتحمل أن يكون من المتعدي، ومفعوله محذوف، أي: وصدوا غيرهم أو أنفسهم، وأن يكون من اللازم، أي: أعرضوا وتولوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن وثاب "وصدوا" و وصد عن السبيل بكسر الصاد، وهو [ ص: 58 ] مبني للمفعول، أجراه مجرى قيل وبيع، فهو كقراءة: "ردت إلينا"، [وقوله:]


                                                                                                                                                                                                                                      2863 - وما حل من جهل حبا حلمائنا      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية