الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (26) قوله تعالى: من صلصال : "من" لابتداء الغاية أو للتبعيض. والصلصال: قال أبو عبيدة: "وهو الطين المختلط بالرمل، ثم يجف، فيسمع له صلصلة، أي: تصويت". وقال الزمخشري : "الطين اليابس الذي يصلصل من غير طبخ، فإذا طبخ فهو فخار". وقال أبو الهيثم: "هو صوت اللجام وما أشبهه كالقعقعة في الثوب". وقال الزمخشري أيضا: "قالوا: إذا توهمت في صوته مدا فهو صليل، وإن توهمت فيه ترجيعا فهو صلصلة. وقيل: هو من تضعيف "صل": إذا أنتن". انتهى. وصلصال هنا بمعنى مصلصل كزلزال بمعنى مزلزل، ويكون فعلال أيضا مصدرا نحو: الزلزال. ويجوز كسره أيضا. [ ص: 156 ] وفي وزن هذا النوع أعني ما تكررت فاؤه وعينه خلاف، فقيل: وزنه فعفع، كررت الفاء والعين ولا لام للكلمة، قاله الفراء وغيره. وهو غلط لأن أقل الأصول ثلاثة: فاء وعين ولام. الثاني: أن وزنه فعفل وهو قول الفراء. الثالث: أنه فعل بتشديد العين وأصله صلل، فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس فاء الكلمة وهو مذهب كوفي. وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوطه نحو: لملم وكبكب فإنك تقول فيهما: لم وكب، فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو: سمسم، قال: فلا خلاف في أصالة الجميع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من حمإ فيه وجهان، أحدهما: أنه في محل جر صفة لصلصال، فيتعلق بمحذوف. والثاني: أنه بدل من "صلصال" بإعادة الجار.

                                                                                                                                                                                                                                      والحمأ: الطين الأسود المنتن. قال الليث: "واحده حمأة بتحريك العين"، جعله اسم جنس، وقد غلط في ذلك; فإن أهل اللغة قالوا: لا يقال إلا "حمأة" بالإسكان، ولا يعرف التحريك، نص عليه أبو عبيدة وجماعة، وأنشدوا لأبي الأسود:


                                                                                                                                                                                                                                      2939 - يجيء بملئها طورا وطورا يجيء بحمأة وقليل ماء

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تكون "الحمأة" واحدة "الحمأ" لاختلاف الوزنين. [ ص: 157 ] والمسنون: المصبوب من قولهم: سننت الشراب كأنه لرطوبته جعل مصبوبا كغيره من المائعات، فكأن المعنى: أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الجواهر المذابة. قال الزمخشري : "وحق مسنون بمعنى مصور أن يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منه تمثال شخص". قلت: يعني أنه يصير التقدير: من صلصال مصور، ولكن يلزم تقديم الوصف المؤول على الصريح إذا جعلنا: من حمإ صفة لصلصال، أما إذا جعلناه بدلا منه فلا. وقيل: مسنون مصور، من سنة الوجه وهي صورته. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2940 - تريك سنة وجه غير مقرفة      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "من سننت الحجر بالحجر: إذا حككته به فالذي يسيل بينهما "سنين" ولا يكون إلا منتنا". وقيل: المسنون: المنسوب إليه، والمعنى: ينسب إليه ذرية، وكأن هذا القائل أخذه من الواقع. وقيل: هو من أسن الماء إذا تغير، وهذا غلط لاختلاف المادتين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية