الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (100) قوله تعالى: لو أنتم تملكون : فيه ثلاثة أوجه، أحدها: وإليه ذهب الزمخشري والحوفي وابن عطية وأبو البقاء ومكي أن المسألة من باب الاشتغال، ف "أنتم" مرفوع بفعل مقدر يفسره هذا الظاهر، لأن "لو" لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا، فهي ك "إن" في قوله تعالى: وإن أحد من المشركين وفي قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 417 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3111 - وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل

                                                                                                                                                                                                                                      والأصل: لو تملكون، فحذف الفعل لدلالة ما بعده عليه فانفصل الضمير وهو الواو; إذ لا يمكن بقاؤه متصلا بعد حذف رافعه. ومثله: "وإن هو لم يحمل" الأصل: وإن لم يحمل، فلما حذف الفعل انفصل ذلك الضمير المستتر وبرز، ومثله فيما نحن فيه قول الشاعر: "لو ذات سوار لطمتني"، وقول المتلمس:


                                                                                                                                                                                                                                      3112 - ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      ف "ذات سوار" مرفوعة بفعل مفسر بالظاهر بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه مرفوع ب "كان" وقد كثر حذفها بعد "لو" والتقدير: لو كنتم تملكون، فحذفت "كان" فانفصل الضمير، و "تملكون" في محل نصب ب "كان" وهو قول ابن الصائغ. وقريب منه قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 418 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3113 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      فإن الأصل: لأن كنت، فحذفت "كان" فانفصل الضمير إلا أن هنا عوض من "كان" "ما"، وفي "لو" لم يعوض منها.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن "أنتم" توكيد لاسم "كان" المقدر معها، والأصل: "لو كنتم أنتم تملكون" فحذفت "كان" واسمها وبقي المؤكد، وهو قول ابن فضال المجاشعي. وفيه نظر من حيث إنا نحذف ما في التوكيد، وإن كان سيبويه يجيزه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك: كون مذهب البصريين في "لو" أنه لا يليها إلا الفعل ظاهرا، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمرا مفسرا إلى في ضرورة أو ندور كقوله: "لو ذات سوار لطمتني". فإن قيل: هذان الوجهان: أيضا فيهما إضمار فعل. قيل: ليس هو الإضمار المعني; فإن الإضمار الذي أبوه على شريطة التفسير في غير "كان"، وأما "كان" فقد كثر حذفها بعد "لو" في مواضع كثيرة. وقد وقع الاسم الصريح بعد "لو" غير مذكور بعده فعل، أنشد الفارسي:


                                                                                                                                                                                                                                      3114 - لو بغير الماء حلقي شرق     كنت كالغصان بالماء اعتصاري

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 419 ] إلا أنه خرجه على أنه مرفوع بفعل مقدر يفسره الوصف من قوله "شرق". وقد تقدم تحقيق القول في "لو" فلنقتصر على هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لأمسكتم يجوز أن يكون لازما لتضمنه معنى بخلتم، وأن يكون متعديا، ومفعوله محذوف، لأمسكتم المال، ويجوز أن يكون كقوله: يحيي ويميت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: خشية الإنفاق فيه وجهان، أظهرهما: أنه مفعول من أجله.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه مصدر في موضع الحال، قاله أبو البقاء، أي: خاشين الإنفاق. وفيه نظر; إذ لا يقع المصدر المعرف موقع الحال إلا سماعا نحو: "جهدك" و "طاقتك" و [كقوله:]


                                                                                                                                                                                                                                      3115 - وأرسلها العراك      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يقاس عليه. والإنفاق مصدر أنفق، أي: أخرج المال. وقال أبو عبيدة: "وهو بمعنى الافتقار والإقتار".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية