الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (28) قوله: واصبر نفسك : أي: احبسها وثبتها، قال أبو ذؤيب:


                                                                                                                                                                                                                                      3141 - فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 473 ] وقوله: "بالغداة" تقدم الكلام عليها في الأنعام.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا تعد عيناك فيه وجهان، أحدهما: أن مفعوله محذوف، تقديره: ولا تعد عيناك النظر. والثاني: أنه ضمن معنى ما يتعدى ب "عن". قال الزمخشري : "وإنما عدي ب "عن" لتضمين "عدا" معنى نبا وعلا في قولك: نبت عنه عينه، وعلت عنه عينه، إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل: ولا تعدهم عيناك، أو: ولا تعل عيناك عنهم؟ قلت: الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ. ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك متجاوزتين إلى غيرهم. ونحوه: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ، أي: ولا تضموها إليها آكلين لها".

                                                                                                                                                                                                                                      ورده الشيخ: بأن مذهب البصريين أن التضمين لا ينقاس، وإنما يصار إليه عند الضرورة. فإذا أمكن الخروج عنه فلا يصار إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن "ولا تعد عينيك" من أعدى رباعيا. وقرأ هو وعيسى والأعمش "ولا تعد" بالتشديد من عدى يعدي مضعفا، عداه في الأولى بالهمزة وفي الثانية بالتثقيل، كقول النابغة:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 474 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3142 - فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له     وانم القتود على عيرانة أجد

                                                                                                                                                                                                                                      كذا قال الزمخشري وأبو الفضل. ورد عليهما الشيخ: بأنه لو كان تعديه في هاتين القراءتين بالهمزة أو التضعيف لتعدى لاثنين، لأنه قبل ذلك متعد لواحد بنفسه. وقد أقر الزمخشري بذلك حيث قال: "يقال: عداه إذا جاوزه، وإنما عدي ب "عن" لتضمنه معنى علا ونبا، فحينئذ يكون أفعل وفعل مما وافقا المجرد". وهو اعتراض حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "تريد" جملة حالية. ويجوز أن يكون فاعل "تريد" المخاطب، أي: تريد أنت. ويجوز أن يكون ضمير العينين، وإنما وحد لأنهما متلازمان يجوز أن يخبر عنهما خبر الواحد. ومنه قول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      3143 - لمن زحلوقة زل     بها العينان تنهل

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3144 - وكأن في العينين حب قرنفل     أو سنبلا كحلت به فانهلت

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه غير ذلك. ونسبة الإرادة إلى العينين مجاز. وقال الزمخشري : [ ص: 475 ] "الجملة في موضع الحال". قال الشيخ: وصاحب الحال إن قدر "عيناك" فكان يكون التركيب: "تريدان". قلت: غفل عن القاعدة التي ذكرتها: من أن الشيئين المتلازمين يجوز أن يخبر عنهما إخبار الواحد. ثم قال: وإن قدر الكاف فمجيء الحال من المجرور بالإضافة مثل هذا فيه إشكال، لاختلاف العامل في الحال وذي الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أجاز ذلك بعضهم إذا كان المضاف جزءا أو كالجزء، وحسن ذلك أن المقصود نهيه هو عليه السلام. وإنما جيء بقوله: "عيناك" والمقصود هو لأنهما بهما تكون المراعاة للشخص والتلفت له.

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وقد ظهر لي وجه حسن لم أر غيري ذكره: وهو أن يكون "تعد" مسندا لضمير المخاطب صلى الله عليه وسلم، و "عيناك" بدل من الضمير بدل بعض من كل. و "تريد" على وجهيها: من كونها حالا من "عيناك" أو من الضمير في تعد. إلا أن في جعلها حالا من الضمير في "ولا تعد" ضعفا: من حيث إن مراعاة المبدل منه بعد ذكر البدل قليل جدا تقول: "الجارية حسنها فاتن" ولا يجوز "فاتنة" إلا قليلا، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3145 - فكأنه لهق السراة كأنه     ما حاجبيه معين بسواد

                                                                                                                                                                                                                                      فقال: "معين" مراعاة للهاء في "كأنه"، وكان الفصيح أن يقول: "معينان" مراعاة لحاجبيه الذي هو البدل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أغفلنا قلبه العامة على إسناد الفعل ل "نا" و "قلبه" مفعول به.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 476 ] وقرأ عمرو بن عبيد بن فائد وموسى الأسواري بفتح اللام ورفع "قلبه" أسندوا الإغفال إلى القلب. وفيه أوجه. قال ابن جني: من ظننا غافلين عنه. وقال الزمخشري : "من حسبنا قلبه غافلين، من أغفلته إذا وجدته غافلا". وقال أبو البقاء: "فيه وجهان، أحدهما: وجدنا قلبه معرضين عنه. والثاني: أهمل أمرنا عن تذكرنا".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فرطا" يحتمل أن يكون وصفا على فعل كقولهم: "فرس فرط"، أي: متقدم على الخيل، وكذلك هذا، أي: متقدما للحق. وأن يكون مصدرا بمعنى التفريط أو الإفراط. قال ابن عطية: الفرط: يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي: أمره الذي يجب أن يلزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية