الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (24) قوله: من تحتها : قرأ الأخوان ونافع وحفص بكسر ميم "من"، وجر "تحتها" على الجار والمجرور. والباقون بفتحها ونصب "تحتها". فالقراءة الأولى تقتضي أن يكون الفاعل في "نادى" مضمرا وفيه تأويلان، أحدهما: هو جبريل ومعنى كونه: من تحتها أنه في مكان أسفل منها. ويدل على ذلك قراءة ابن عباس: "فناداها ملك من تحتها" فصرح به. و من تحتها على هذا فيه وجهان؛ أحدهما: أنه متعلق بالنداء، أي: جاء النداء من هذه الجهة. والثاني: أنه حال من الفاعل، أي: فناداها وهو تحتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وثاني التأويلين: أن الضمير لعيسى، أي: فناداها المولود من تحت ذيلها. والجار فيه الوجهان: من كونه متعلقا بالنداء، أو بمحذوف على أنه حال. والثاني أوضح.

                                                                                                                                                                                                                                      والقراءة الثانية: تكون فيها "من" موصولة، والظرف صلتها، والمراد بالموصول: إما جبريل، وإما عيسى.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ألا تحزني يجوز في "أن" أن تكون مفسرة لتقدمها ما هو بمعنى [ ص: 584 ] القول، و "لا" على هذا ناهية، وحذف النون للجزم; وأن تكون الناصبة و "لا" حينئذ نافية، وحذف النون للنصب. ومحل "أن": إما نصب أو جر لأنها على حذف حرف الجر، أي: فناداها بكذا. والضمير في "تحتها": إما لمريم عليها السلام، وإما للنخلة، والأول أولى لتوافق الضميرين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "سريا" يجوز أن يكون مفعولا أول، و "تحتك" مفعول ثان لأنها بمعنى صير. ويجوز أن تكون بمعنى خلق، فتكون "تحتك" لغوا.

                                                                                                                                                                                                                                      والسري فيه قولان، أحدهما: أنه الرجل المرتفع القدر، من سرو يسرو كشرف يشرف، فهو سري. وأصله سريو، فأعل إعلال سيد، فلامه واو. والمراد به في الآية عيسى ابن مريم عليه السلام، ويجمع "سري" على "سراة" بفتح السين، وسرواء كظرفاء، وهما جمعان شاذان، بل قياس جمعه "أسرياء"، كغني وأغنياء. وقيل: السري: من سروت الثوب، أي: نزعته، وسروت الجل عن الفرس، أي: نزعته. كأن السري سرى ثوبه، بخلاف المدثر والمتزمل. قاله الراغب.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه النهر الصغير، ويناسبه: "فكلي واشربي" واشتقاقه من سرى يسري، لأن الماء يسري فيه، فلامه على هذا ياء، وأنشدوا للبيد:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 585 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3221 - فتوسطا عرض السري فصدعا مسجورة متجاوزا قلامها

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية