الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (38) قوله: لكنا هو الله ربي : قرأ ابن عامر بإثبات الألف وصلا ووقفا، والباقون بحذفها وصلا وبإثباتها وقفا. فالوقف وفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      والأصل في هذه الكلمة: "لكن أنا" فنقل حركة همزة "أنا" إلى نون "لكن" وحذف الهمزة، فالتقى مثلان فأدغم. وهذا أحسن الوجهين في تخريج هذا. وقيل: حذف همزة "أنا" اعتباطا فالتقى المثلان فأدغم، وليس بشيء لجري الأول على القواعد، فالجماعة جروا على مقتضى قواعدهم في حذف ألف "أنا" وصلا وإثباتها وقفا، وكان تقدم لك: أن نافعا يثبت ألفه وصلا قبل همزة مضمومة أو مكسورة أو مفتوحة بتفصيل مذكور في البقرة، وهنا لم يصادف همزة، فهو على أصله أيضا، ولو أثبت الألف هنا لكان أقرب من إثبات غيره لأنه أثبتها في الوصل في الجملة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ابن عامر، فإنه خرج عن أصله في الجملة; إذ ليس من مذهبه [ ص: 492 ] إثبات هذه الألف وصلا في موضع ما، وإنما اتبع الرسم. وقد تقدم أنها لغة تميم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وإعراب ذلك: أن يكون "أنا" مبتدأ، و "هو" مبتدأ ثان، و "هو" ضمير الشأن، و "الله" مبتدأ ثالث. و "ربي" خبر الثالث، والثالث وخبره خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول. والرابط بين الأول وبين خبره الياء في "ربي". ويجوز أن تكون الجلالة بدلا من "هو" أو نعتا أو بيانا إذا جعل "هو" عائدا على ما تقدم من قوله: بالذي خلقك من تراب لا على أنه ضمير الشأن، وإن كان أبو البقاء أطلق ذلك، وليس بالبين. ويجوز أن يكون "هو" مبتدأ، وما بعده خبره، وهو وخبره خبر "لكن". ويجوز أن يكون تأكيدا للاسم، وأن يكون فصلا. ولا يجوز أن يكون ضمير شأن، لأنه حينئذ لا عائد على اسم "لكن" من هذه الجملة الواقعة خبرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو "لكنه" بهاء السكت وقفا; لأن القصد بيان حركة نون "أنا"، فتارة تبين بالألف وتارة بهاء السكت. وعن حاتم الطائي: "هكذا فردي أنه".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية عن أبي عمرو: روى عنه هارون "لكنه هو الله" بضمير لحق "لكن". قلت: فظاهر هذا أنه ليس بهاء السكت، بل تكون الهاء ضميرا اسما ل "لكن" وما بعدها الخبر. وخرجه الفارسي على وجه [ ص: 493 ] غريب: وهو أن تكون "لكنا" لكن واسمها وهو "نا"، والأصل: "لكننا" فحذف إحدى النونات نحو: إنا نحن وكان حق التركيب أن يكون "ربنا"، "ولا نشرك بربنا" قال: "ولكنه اعتبر المعنى فأفرد".

                                                                                                                                                                                                                                      وهو غريب جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما في قراءة العامة: فلا يجوز أن تكون "لكن" مشددة عاملة لوقوع الضمير بعدها بصيغة المرفوع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الله: "لكن أنا هو" على الأصل من غير نقل ولا إدغام. وروى عنه ابن خالويه "لكن هو الله" بغير "أنا". وقرئ أيضا: "لكننا".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "وحسن ذلك - يعني إثبات الألف في الوصل - وقوع الألف عوضا من حذف الهمزة". [وقال:] "ونحوه - يعني إدغام نون "لكن" في نون "نا" بعد حذف الهمزة - قول القائل:


                                                                                                                                                                                                                                      3164 - وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي

                                                                                                                                                                                                                                      الأصل: لكن أنا، فنقل وحذف وأدغم. قال الشيخ: "ولا يتعين [ ص: 494 ] ما قاله في البيت لجواز أن يكون حذف اسم "لكن"، وحذفه لدليل كثير، وعليه:


                                                                                                                                                                                                                                      3165 - فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي     ولكن زنجي عظيم المشافر

                                                                                                                                                                                                                                      أي: ولكنك، وكذا هنا: ولكنني إياك". قلت: لم يدع الزمخشري تعين ذلك في البيت حتى يرد عليه بما ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقرب من هذا ما خرجه البصريون في بيت استدل به الكوفيون عليهم في جواز دخول لام الابتداء في خبر "لكن" وهو:


                                                                                                                                                                                                                                      3166 - ... ... ... ...     ولكنني من حبها لعميد

                                                                                                                                                                                                                                      فأدخل اللام في خبر "لكن". وخرجه البصريون على أن الأصل: ولكن إني من حبها، ثم نقل حركة همزة "إني" إلى نون "لكن" بعد حذف الهمزة، وأدغم على ما تقدم، فلم تدخل اللام إلا في خبر "إن"، هذا على تقدير تسليم صحة الرواية، وإلا فقالوا: إن البيت مصنوع، ولا يعرف له قائل.

                                                                                                                                                                                                                                      والاستدراك من قوله: "أكفرت"، كأنه قال لأخيه: أنت كافر; لأنه [ ص: 495 ] استفهام تقرير، لكنني أنا مؤمن نحو قولك: "زيد غائب لكن عمرا حاضر" لأنه قد يتوهم غيبة عمرو أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية