الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (22) قوله: سيقولون : قيل: إنما أتي بالسين في هذا لأن في الكلام طيا وإدماجا تقديره: فإذا أجبتهم عن سؤالهم عن قصة أهل الكهف فسلهم عن عددهم فإنهم سيقولون. ولم يأت بها في باقية الأفعال لأنها معطوفة على ما فيه السين فأعطيت حكمه من الاستقبال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 466 ] وقرأ ابن محيصن: "ثلاث" بإدغام الثاء المثلثة في تاء التأنيث لقرب مخرجيهما، ولأنهما مهموسان، ولأنهما بعد ساكن معتل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: رابعهم كلبهم الجملة في محل رفع صفة ل "ثلاثة".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "خمسة" قرأ ابن كثير في رواية بفتح الميم، وهي لغة كعشرة. وقرأ ابن محيصن بكسر الخاء والميم، وبإدغام التاء في السين، يعني تاء "خمسة" في سين "سادسهم" وهي قراءة ثقيلة جدا، تتوالى كسرتان وثلاث سينات، ولا أظن مثل هذا إلا غلطا على مثله. وروي عنه إدغام التنوين في السين من غير غنة.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ثلاثة" و "خمسة" و "سبعة" إخبار لمبتدأ مضمر، أي: هم ثلاثة، وهم خمسة، وهم سبعة. وما بعد "ثلاثة" و "خمسة" من الجملة صفة لهما، كما تقدم. ولا يجوز أن تكون الجملة حالا لعدم عامل فيها، ولا يجوز أن يكون التقدير: هؤلاء ثلاثة، وهؤلاء خمسة، ويكون العامل اسم الإشارة أو التنبيه. قال أبو البقاء: "لأنها إشارة إلى حاضر، ولم يشيروا إلى حاضر".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: رجما بالغيب فيه أربعة أوجه، أحدها: أنه مفعول من أجله; يقولون ذلك لأجل الرمي بالغيب. والثاني: أنه في موضع الحال، أي: [ ص: 467 ] ظانين. والثالث: أنه منصوب ب "يقولون" لأنه بمعناه. والرابع: أنه منصوب بمقدر من لفظه، أي: يرجمون بذلك رجما.

                                                                                                                                                                                                                                      والرجم في الأصل: الرمي بالرجام وهي الحجارة الصغار، ثم عبر به عن الظن. قال زهير:


                                                                                                                                                                                                                                      3139 - وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم

                                                                                                                                                                                                                                      أي: المظنون.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وثامنهم" في هذه الواو أوجه، أحدها: أنها عاطفة، عطفت هذه الجملة على جملة قوله: "هم سبعة" فيكونون قد أخبروا بخبرين، أحدهما: أنهم سبعة رجال على البت. والثاني أن ثامنهم كلبهم، وهذا يؤذن بأن جملة قوله: وثامنهم كلبهم من كلام المتنازعين فيهم. الثاني: أن الواو للاستئناف، وأنه من كلام الله تعالى أخبر عنهم بذلك. قال هذا القائل: وجيء بالواو لتعطي انقطاع هذا مما قبله. الثالث: أنها الواو الداخلة على الصفة تأكيدا، ودلالة على لصق الصفة بالموصوف. وإليه ذهب الزمخشري ، ونظره بقوله: من قرية إلا ولها كتاب معلوم .

                                                                                                                                                                                                                                      ورد الشيخ عليه: بأن أحدا من النحاة لم يقله، وقد تقدم القول في ذلك. [ ص: 468 ] الرابع: أن هذه تسمى واو الثمانية، وأن لغة قريش إذا عدوا يقولون: خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة، فيدخلون الواو على عقد الثمانية خاصة. ذكر ذلك ابن خالويه وأبو بكر راوي عاصم. قلت: وقد قال ذلك بعضهم في قوله تعالى: وفتحت أبوابها في الزمر فقال: دخلت في أبواب الجنة لأنها ثمانية، ولذلك لم يجأ بها في أبواب جهنم لأنها سبعة وسيأتي هذا إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "كالبهم"، أي: صاحب كلبهم. ولهذه القراءة قدر بعضهم في قراءة العامة: وثامنهم صاحب كلبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وثلاثة وخمسة وسبعة مضافة لمعدود محذوف فقدره الشيخ: ثلاثة أشخاص، قال: "وإنما قدرنا أشخاصا لأن رابعهم اسم فاعل أضيف إلى الضمير، والمعنى: أنه ربعهم، أي: جعلهم أربعة، وصيرهم إلى هذا العدد، فلو قدرناه رجالا استحال أن يصير ثلاثة رجال أربعة لاختلاف الجنسين". وهو كلام حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "ولا يعمل اسم الفاعل هنا لأنه ماض". قلت: يعني أن رابعهم فيما مضى، فلا يعمل النصب تقديرا، والإضافة محضة. وليس كما زعم فإن المعنى على: يصير الكلب لهم أربعة، فهو ناصب تقديرا، وإنما عمل وهو ماض لحكاية الحال كباسط.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية