الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (10) قوله تعالى: أفي الله شك : يجوز في "شك" وجهان، أظهرهما: أنه فاعل بالجار قبله، وجاز ذلك لاعتماده على الاستفهام. والثاني: أنه مبتدأ وخبره الجار، والأول أولى، بل كان ينبغي أن يتعين لأنه يلزم من الثاني الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو المبتدأ، وهذا بخلاف الأول، فإن الفاصل ليس أجنبيا; إذ هو فاعل، والفاعل كالجزء من رافعه. ويدل على ذلك تجويزهم: "ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد" بنصب "أحسن" صفة، ورفع "الكحل" فاعلا بأفعل، ولم يضر الفصل به بين أفعل وبين "من" لكونه كالجزء من رافعه، ولم يجيزوا رفع "أحسن" خبرا مقدما و "الكحل" مبتدأ مؤخر، لئلا يلزم الفصل بين أفعل وبين "من" بأجنبي. ووجه الاستشهاد من هذه المسألة: أنهم جعلوا المبتدأ أجنبيا بخلاف الفاعل، ولهذه المسألة موضع غير هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة: "فاطر" بالجر. وفيه وجهان: النعت والبدلية، قاله أبو البقاء: وفيه نظر; فإن الإبدال بالمشتقات يقل، ولو جعله عطف بيان كان أسهل. قال الزمخشري : أدخلت همزة الإنكار على الظرف، لأن [ ص: 75 ] الكلام ليس في الشك، إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "ليغفر" اللام متعلقة بالدعاء، أي: لأجل غفران ربكم، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2870 - دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبي يدي مسور

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون اللام معدية كقولك: دعوتك لزيد، وقوله: إذ تدعون إلى الإيمان . والتقدير: يدعوكم إلى غفران ذنوبكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أن تصدونا العامة على تخفيف النون. وقرأ طلحة بتشديدها كما شدد "تدعونا". وفيها تخريجان، أحدهما: ما تقدم في نظيرتها على أن تكون "أن" هي المخففة لا الناصبة، واسمها ضمير الشأن، وشذ عدم الفصل بينها وبين الجملة الفعلية. والثاني: أنها الناصبة، ولكن أهملت حملا على "ما" المصدرية، كقراءة "أن يتم" برفع "يتم". وقد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من" في من ذنوبكم قيل: مزيدة. وقيل: تبعيضية. وقيل: بمعنى البدل أي: بدل عقوبة ذنوبكم، كقوله: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة . [ ص: 76 ] قوله: "تريدون" يجوز أن يكون صفة ثانية لـ "بشر"، وحمل على معناه; لأنه بمنزلة القوم والرهط، كقوله: أبشر يهدوننا وأن يكون مستأنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية