الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (44) قوله تعالى: بالبينات : فيه ثمانية أوجه، أحدها: أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة ل "رجالا" فيتعلق بمحذوف، أي: رجالا ملتبسين بالبينات، أي: مصاحبين لها. وهو وجه حسن ذكره الزمخشري لا محذور فيه. الثاني: أنه متعلق ب "أرسلنا" ذكره الحوفي والزمخشري وغيرهما، وبه بدأ الزمخشري قال: يتعلق ب "أرسلنا" داخلا تحت حكم الاستثناء مع "رجالا"، أي: وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك: "وما ضربت إلا زيدا بالسوط"; لأن أصله: ضربت زيدا بالسوط. وضعفه أبو البقاء بأن ما قبل "إلا" لا يعمل فيما بعدها إذا تم الكلام على "إلا" وما يليها. قال: وإلا أنه قد جاء في الشعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2971 - نبئتهم عذبوا بالنار جارتهم ولا يعذب إلا الله بالنار

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: وما أجازه الحوفي والزمخشري لا يجيزه البصريون، [ ص: 223 ] إذ لا يجيزون أن يقع بعد "إلا" إلا مستثنى أو مستثنى منه أو تابع لذلك، وما ظن بخلافه قدر له عامل. وأجاز الكسائي أن يليها معمول ما قبلها مرفوعا ومنصوبا ومخفوضا، نحو: ما ضرب إلا عمرا زيد، وما ضرب إلا زيد عمرا وما مر إلا زيد بعمرو، ووافقه ابن الأنباري في المرفوع، والأخفش في الظرف وعديله، فما لاقاه يتمشى على قول الكسائي والأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنه يتعلق بأرسلنا أيضا، إلا أنه على نية التقديم قبل أداة الاستثناء تقديره: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا، حتى لا يكون ما بعد "إلا" معمولين متأخرين لفظا ورتبة داخلين تحت الحصر لما قبل "إلا"، حكاه ابن عطية.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أنه متعلق ب "نوحي" كما تقول: "أوحي إليه بحق"، ذكره الزمخشري وأبو البقاء. الخامس: أن الباء مزيدة في "بالبينات" وعلى هذا فيكون "بالبينات" هو القائم مقام الفاعل لأنها هي الموحاة. السادس: أن الجار متعلق بمحذوف على أنه حال من القائم مقام الفاعل، وهو "إليهم" [ ص: 224 ] ذكرهما أبو البقاء، وهما ضعيفان جدا معنى وصناعة.

                                                                                                                                                                                                                                      السابع: أن يتعلق ب "لا تعلمون" على أن الشرط في معنى التبكيت والإلزام، كقول الأجير: "إن كنت عملت لك فأعطني حقي". قال الزمخشري : وقوله: "فاسألوا أهل" اعتراض على الوجوه المتقدمة، ويعني بقوله: "فاسألوا" الجزاء وشرطه، وأما على الوجه الأخير فعدم الاعتراض واضح.

                                                                                                                                                                                                                                      الثامن: أنه متعلق بمحذوف جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل: بم أرسلوا؟ فقيل: أرسلوا بالبينات والزبر. كذا قدره الزمخشري ، وهو أحسن من تقدير أبي البقاء: "بعثوا"، لموافقته للدال عليه لفظا ومعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية