الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    7 - باب قول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم )

                                                                                                                                                                    [ 4937 / 1 ] قال مسدد: ثنا الحسن بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذام مولى أم هانئ ابنة أبي طالب، عن ابن عباس، عن تميم الداري " في هذه الآية: ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) قال: برئ منها الناس غيري وغير عدي بن بداء، وكانا يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا في تجارتهما إلى الشام، وقدم عليهما مولى بني سهم، يقال له: (بربر) ابن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد بها الملك، وهو عظيم تجارته، فمرض [ ص: 422 ] فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله، قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا ما معنا، وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره.

                                                                                                                                                                    قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم بالخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فوثبوا إليه فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما عظم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله - عز وجل: - ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) ... إلى قوله ( أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) فقام عمرو بن العاص ورجل آخر معه فحلف، فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء "
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4937 / 2 ] رواه أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو عمر الحارث بن سريج، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: ثنا محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " كان تميم الداري وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين، فأوصى إليهما بتركته، فلما قدما دفعاها إلى أهله، وكتما جاما كان معه من فضة مخوصا بالذهب، فقالا: لم نره.

                                                                                                                                                                    فأتي بهما النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما بالله ما كتما ولا اطلعا، فخلى سبيلهما، ثم إن الجام بعد وجد عند قوم من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري وعدي بن بداء، فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام، وحلف رجلان منهم إن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، قال: ففيهم نزلت هاتان الآيتان ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) ... إلى آخر الآية "
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4937 / 3 ] ورواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ : ثنا أبو الحسن الطرائفي وأبو محمد الكعبي [ ص: 423 ] قالا: ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو خالد يزيد بن صالح، حدثني بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان " في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم ) يقول: شاهدان ذوا عدل منكم من أهل دينكم أو ( آخران من غيركم ) يقول: يهوديين أو نصرانيين، قوله ( إن أنتم ضربتم في الأرض ) وذلك أن رجلين نصرانيين أهل دارين أحدهما تميمي، والآخر عدي صحبهما مولى لقريش في تجارة وركبوا البحر، ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبزورقة، فمرض القرشي، فجعل الوصية للداريين، فمات، فقبض الداريان المال، فلما رجعا من تجارتهما جاءا بالمال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله، فاستنكر القوم قلة المال، فقالوا للداريين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال كثير مما أتيتما به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه، أم هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا.

                                                                                                                                                                    قالوا: إنكما قد خنتما لنا، فقبضوا المال، ورفعوا أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) ... إلى آخر الآية، فلما نزلت أن يحبسا بعد الصلاة أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا: بالله رب السموات ورب الأرض ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا من الدنيا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين.

                                                                                                                                                                    فلما حلفا خلى سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت، فأخذوا الداريين فقالا: اشتريناه منه في حياته، وكذبا، فكلفا البينة، فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله - عز وجل - : ( فإن عثر ) يقول: فإن اطلع على أنهما استحقا إثما - يعني الداريين - يقول: إن كانا كتما حقا ( فآخران ) فآخران من أولياء الميت ( يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله ) يقول: فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كذا وكذا، وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق ( وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ) فهذا قول الشاهدين أولياء الميت حين اطلع على خيانة الداريين، يقول الله - عز وجل - : ( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) يعني: الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك "
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4937 / 4 ] وعن الحاكم رواه البيهقي في سننه.

                                                                                                                                                                    [ ص: 424 ] وقال: قد روي معنى ما ذكره مقاتل بن حيان عن أهل التفسير بإسناد صحيح عن ابن عباس، إلا أنه لم يحفظ فيه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه، وحفظه مقاتل.

                                                                                                                                                                    [ 4937 / 5 ] قلت: رواه الترمذي في الجامع باختصار، عن الحسن بن أبي أحمد بن أبي شعيب به.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية