4 - (000) : حدثناه :
nindex.php?page=showalam&ids=13568محمد بن يحيى ، قال : حدثني
إسحاق بن إبراهيم الزبيدي ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16432عبد الله بن رجاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13114أبو بكر : أنا أبرأ من عهدة
شرحبيل بن الحكم ، وعامر بن نائل ، وقد أغنانا الله - فله الحمد كثيرا - عن الاحتجاج في هذا الباب بأمثالها ، فتدبروا يا أولي الألباب ، ما نقوله في هذا الباب ، في ذكر اليدين : كنحو : قولنا في ذكر الوجه ، والعينين ، تستيقنوا بهداية الله إياكم ، وشرحه - جل وعلا - صدوركم للإيمان بما قصه الله - جل وعلا - ، في محكم تنزيله ، وبينه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من صفات خالقنا - عز وجل - ، وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق ، والصواب والعدل في هذا الجنس مذهبنا ، مذهب أهل الآثار ، ومتبعي السنن ، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة ، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه .
نحن نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28836_28712_29716لله - جل وعلا - يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله ، وعلى لسان نبيه - المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : كلتا يدي ربنا - عز وجل - يمين ، على
[ ص: 194 ] ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : إن الله - عز وجل - يقبض الأرض جميعا بإحدى يديه ، ويطوي السماء بيده الأخرى ، وكلتا يديه يمين ، لا شمال فيهما ، ونقول : من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان ، مستوي التركيب ، لا نقص في يديه ، أقوى بني آدم ، وأشدهم بطشا له يدان ، عاجز عن أن يقبض على قدر أقل من شعرة واحدة ، من جزء من أجزاء كثيرة ، على أرض واحدة من سبع أرضين .
ولو أن جميع من خلقهم الله من بني آدم إلى وقتنا هذا ، وقضى خلقهم إلى قيام الساعة لو اجتمعوا على معونة بعضهم بعضا ، وحاولوا على قبض أرض واحدة من الأرضين السبع بأيديهم ، كانوا عاجزين عن ذلك غير مستطيعين له ، وكذلك لو اجتمعوا جميعا على طي جزء من أجزاء سماء واحدة لم يقدروا على ذلك ، ولم يستطيعوا ، وكانوا عاجزين عنه ، فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من وصف يد خالقه بما بينا من القوة والأيدي ، ووصف يد المخلوقين بالضعف والعجز مشبها ، يد الخالق بيد المخلوقين ؟ ، أو كيف يكون مشبها من يثبت أصابع على ما بينه النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للخالق البارئ ؟ .
ونقول : إن الله - جل وعلا - يمسك السماوات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، تمام الحديث .
ونقول : إن جميع بني آدم - منذ خلق الله
آدم إلى أن ينفخ في الصور ، لو اجتمعوا على إمساك جزء من أجزاء كثيرة من سماء من سماواته ، أو أرض من أراضيه السبع بجميع أبدانهم ، كانوا غير قادرين على ذلك ، ولا مستطيعين له ، بل عاجزين
[ ص: 195 ] عنه ، فكيف يكون من يثبت لله - عز وجل - يدين على ما ثبته الله لنفسه ، وأثبته له - صلى الله عليه وسلم - مشبها يدي ربه بيدي بني آدم ؟ .
نقول : لله يدان مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ، بهما خلق الله
آدم - عليه السلام - ، وبيده كتب التوراة لموسى - عليه السلام - ، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين ، وأيدي المخلوقين مخلوقة محدثة غير قديمة ، فانية غير باقية ، بالية تصير ميتة ، ثم رميما ، ثم ينشئه الله خلقا آخر
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين ، فأي تشبيه يلزم أصحابنا : - أيها العقلاء - إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه ، وأثبته له نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وقول هؤلاء المعطلة يوجب أن كل من يقرأ كتاب الله ، ويؤمن به إقرارا باللسان ، وتصديقا بالقلب فهو مشبه ؛ لأن الله ما وصف نفسه في محكم تنزيله بزعم هذه الفرقة .
ومن وصف يد خالقه فهو : يشبه الخالق بالمخلوق ، فيجب على قود مقالتهم : أن يكفر بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه ، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم لعائن الله ؛ إذ هم كفار منكرون لجميع ما وصف الله به نفسه
[ ص: 196 ] في كتابه ، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - غير مقرين بشيء منه ، ولا مصدقين بشيء منه .
نقول : لو شبه بعض الناس : يد قوي الساعدين شديد البطش ، عالم بكثير من الصناعات ، جيد الخط ، سريع الكتابة ، بيد ضعيف البطش ، من الآدميين ، خلو من الصناعات والمكاسب ، أخرق ، لا يحسن أن يخط بيده كلمة واحدة ، أو شبه يد من ذكرنا أولا بالقوة ، والبطش الشديد ، بيد صبي في المهد ، أو كبير هرم يرعش ، لا يقدر على قبض ، ولا بسط ، ولا بطش .
أو نقول له : يدك شبيهة بيد قرد ، أو خنزير ، أو دب ، أو كلب ، أو غيرها من السباع ، أما ما يقوله سامع هذه المقالة - إن كان من ذوي الحجا والنهى - : أخطأت يا جاهل التمثيل ، ونكست التشبيه ، ونطقت بالمحال من المقال ، ليس كل ما وقع عليه اسم اليد ، جاز أن يشبه ويمثل إحدى اليدين بالأخرى ، وكل عالم بلغة العرب ، فالعلم عنده محيط : أن الاسم الواحد قد يقع على الشيئين مختلفي الصفة ، متبايني المعاني .
وإذا لم يجز إطلاق اسم التشبيه ، إذا قال المرء لابن آدم ، وللقرد يدان ، وأيديهما مخلوقتان ، فكيف يجوز أن يسمى مشبها من يقول لله يدان ، على ما أعلم في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : لبني آدم يدان ، ونقول : ويدا الله بهما خلق آدم ، وبيده كتب التوراة
لموسى - عليه السلام - ، ويداه مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ،
[ ص: 197 ] وأيدي بني آدم مخلوقة على ما بينت وشرحت قبل : في باب الوجه والعينين ، وفي هذا الباب .
وزعمت الجهمية المعطلة : أن معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ، أي نعمتاه ، وهذا تبديل ، لا تأويل .
والدليل على نقض دعواهم : هذه أن نعم الله كثيرة ، لا يحصيها إلا الخالق البارئ ، ولله يدان لا أكثر منهما ، كما قال لإبليس عليه لعنة الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، فأعلمنا - جل وعلا - أنه خلق
آدم بيديه ، فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته ، كان مبدلا لكلام الله ، وقال الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، أفلا يعقل أهل الإيمان : أن الأرض جميعا لا تكون قبضة إحدى نعمتيه يوم القيامة ، ولا أن السماوات مطويات بالنعمة الأخرى .
ألا يعقل - ذوو الحجا - من المؤمنين : أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل ، أو تجاهل شر من الجهل ، بل الأرض جميعا قبضة ربنا - جل وعلا - ، بإحدى يديه يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه وهي : اليد الأخرى ، وكلتا يدي ربنا يمين ،
[ ص: 198 ] لا شمال فيهما - جل ربنا وعز - أن يكون له يسار ؛ إذ كون إحدى اليدين يسارا ، إنما يكون من علامات المخلوقين ، - جل ربنا وعز - عن شبه خلقه ، وافهم ما أقول من جهة اللغة ، تفهم وتستيقن ، أن الجهمية مبدلة لكتاب الله ، لا متأولة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ، لو كان معنى اليد النعمة - كما ادعت الجهمية - لقرئت : بل يداه مبسوطة ، أو منبسطة ؛ لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ، ومحال أن تكون نعمة نعمتين لا أكثر .
فلما قال الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ، كان العلم محيطا ، أنه ثبت لنفسه يدين لا أكثر منهما ، واعلم أنهما مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء .
والآية دالة أيضا على أن ذكر اليد في هذه الآية ليس معناه النعمة ، حكى الله - جل وعلا - قول اليهود ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة ، فقال الله - عز وجل - ردا عليهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ، وبيقين يعلم كل مؤمن : أن الله لم يرد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم ، أي : غلت نعمهم ، لا ، ولا اليهود أن نعم الله مغلولة ، وإنما رد الله عليهم مقالتهم ، وكذبهم في قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة ، وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ، وقد قدمنا ذكر إنفاق الله - عز وجل - بيديه في خبر
nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656869 " يمين الله ملأى ، سحاء لا يغيضها نفقة " .
فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله ينفق بيمينه ، وهما يداه التي أعلم الله أنه ينفق بهما كيف يشاء .
[ ص: 199 ] nindex.php?page=treesubj&link=28712_29716وزعم بعض الجهمية : أن معنى قوله : " خلق الله آدم بيديه " :
أي بقوته ، فزعم أن اليد هي القوة ، وهذا من التبديل أيضا ، وهو جهل بلغة العرب ، والقوة إنما تسمى الأيد بلغة العرب ، لا اليد ، فمن لا يفرق بين اليد والأيد ، فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة .
قد أعلمنا الله - عز وجل - أنه خلق السماء بأيد ، واليد واليدان غير الأيد ، إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء ، دون أن يكون الله خص خلق
آدم بيديه ، لما قال لإبليس :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي .
ولا شك ولا ريب : أن الله - عز وجل - قد خلق إبليس - عليه لعنة الله - أيضا بقوته ، أي إذا كان قويا على خلقه ، فما معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، عند هؤلاء المعطلة ، والبعوض والنمل وكل مخلوق ، فالله خلقهم عنده بأيد وقوة .
وزعم من كان يضاهي بعض مذهبه مذهب الجهمية : في بعض عمره لما لم يقبله أهل الآثار ، فترك أصل مذهبه عصبية : زعم أن خبر
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي ذكرناه ، إنما ذكر اليهودي أن الله يمسك السماوات على أصبع . . الحديث بتمامه ، وأنكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك تعجبا وتصديقا له .
فقال : إنما هذا من قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ضحك تعجبا لا تصديقا لليهودي ، وقد كثر تعجبي من إنكاره ، ودفعه هذا الخبر ، وكان يثبت الأخبار في ذكر الأصبعين ، قد احتج في غير كتاب من كتبه بأخبار النبي
[ ص: 200 ] - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=697817 " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين " ، فإذا كان هذا عنده ثابتا يحتج به ، فقد أقر وشهد أن لله أصابع ؛ لأن مفهوما في اللغة : إذا قيل أصبعين من الأصابع : أن الأصابع أكثر من أصبعين ، فكيف ينفي الأصابع مرة ، ويثبتها أخرى ؟ فهذا تخليط في المذهب ، والله المستعان .
وقد حكيت مرارا عن بعض من كان يطيل مجالسته ، أنه قد انتقل في التوحيد منذ قدم نيسابور ثلاث مرات ، وقد وصفت أقاويله التي انتقل من قول إلى قول ، وقد رأيت في بعض كتبه يحتج بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم ، عن
عبد الرحمن بن سابط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ويخبر
خالد بن اللجلاج ، عن
عبد الرحمن بن عائش ، عن
[ ص: 201 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رأيت ربي في أحسن صورة " ، فيحتج مرة بمثل هذه الأسانيد الضعاف الواهية ، التي لا تثبت عند أحد له معرفة بصناعة الحديث .
ثم عمد إلى أخبار ثابتة صحيحة من جهة النقل ، مما هو أقل شناعة عند
الجهمية المعطلة من قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رأيت ربي في أحسن صورة " ، فيقول : هذا كفر بإسناد ، ويشنع على علماء الحديث بروايتهم تلك الأخبار الثابتة الصحيحة ، والقول بها قلة رغبة ، وجهل بالعلم وعناد .
والله المستعان ، وإن كان قد رجع عن قوله : فالله يرحمنا وإياه .
[ ص: 202 ]
4 - (000) : حَدَّثَنَاهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=13568مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّبَيْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16432عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13114أَبُو بَكْرٍ : أَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ
شُرَحْبِيلَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَعَامِرِ بْنِ نَائِلٍ ، وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ - فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا - عَنِ الِاحْتِجَاجِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَمْثَالِهَا ، فَتَدَبَّرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ، مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، فِي ذِكْرِ الْيَدَيْنِ : كَنَحْوِ : قَوْلِنَا فِي ذِكْرِ الْوَجْهِ ، وَالْعَيْنَيْنِ ، تَسْتَيْقِنُوا بِهِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ ، وَشَرْحِهِ - جَلَّ وَعَلَا - صُدُورَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - ، فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ، وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صِفَاتِ خَالِقِنَا - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَتَعْلَمُوا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَنَّ الْحَقَّ ، وَالصَّوَابَ وَالْعَدْلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ مَذْهَبُنَا ، مَذْهَبُ أَهْلِ الْآثَارِ ، وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ ، وَتَقِفُوا عَلَى جَهْلِ مَنْ يُسَمِّيهِمْ مُشَبِّهَةً ، إِذِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ جَاهِلُونَ بِالتَّشْبِيهِ .
نَحْنُ نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28836_28712_29716لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - يَدَانِ كَمَا أَعْلَمَنَا الْخَالِقُ الْبَارِئُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَنَقُولُ : كِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - يَمِينٌ ، عَلَى
[ ص: 194 ] مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَنَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقْبِضُ الْأَرْضَ جَمِيعًا بِإِحْدَى يَدَيْهِ ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا ، وَنَقُولُ : مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَرْكَانِ ، مُسْتَوِيَ التَّرْكِيبِ ، لَا نَقَصَ فِي يَدَيْهِ ، أَقْوَى بَنِي آدَمَ ، وَأَشَدَّهُمْ بَطْشًا لَهُ يَدَانِ ، عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى قَدْرٍ أَقَلَّ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ ، عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ .
وَلَوْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا ، وَقَضَى خَلَقَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَعُونَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَحَاوَلُوا عَلَى قَبْضِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ بِأَيْدِيهِمْ ، كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِينَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى طَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ، وَكَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ - يَا ذَوِي الْحِجَا - مَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ بِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَيْدِي ، وَوَصَفَ يَدَ الْمَخْلُوقِينَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ مُشَبِّهًا ، يَدَ الْخَالِقِ بِيَدِ الْمَخْلُوقِينَ ؟ ، أَوْ كَيْفَ يَكُونُ مُشَبِّهًا مَنْ يُثْبِتُ أَصَابِعَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ ؟ .
وَنَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبَعٍ ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبَعٍ ، تَمَامُ الْحَدِيثِ .
وَنَقُولُ : إِنَّ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ - مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ
آدَمَ إِلَى أَنْ يَنْفُخَ فِي الصُّوَرِ ، لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سَمَاءٍ مِنْ سَمَاوَاتِهِ ، أَوْ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِيهِ السَّبْعِ بِجَمِيعِ أَبْدَانِهِمْ ، كَانُوا غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا مُسْتَطِيعِينَ لَهُ ، بَلْ عَاجِزِينَ
[ ص: 195 ] عَنْهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يَدَيْنِ عَلَى مَا ثَبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَبِّهًا يَدَيْ رَبِّهِ بِيَدَيْ بَنِي آدَمَ ؟ .
نَقُولُ : لِلَّهِ يَدَانِ مَبْسُوطَتَانِ ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ، بِهِمَا خَلَقَ اللَّهُ
آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَيَدَاهُ قَدِيمَتَانِ لَمْ تَزَالَا بَاقِيَتَيْنِ ، وَأَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ مَخْلُوقَةٌ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ قَدِيمَةٍ ، فَانِيَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ ، بَالِيَةٌ تَصِيرُ مِيتَةً ، ثُمَّ رَمِيمًا ، ثُمَّ يُنْشِئُهُ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فَأَيُّ تَشْبِيهٍ يَلْزَمُ أَصْحَابَنَا : - أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ - إِذَا أَثْبَتُوا لِلْخَالِقِ مَا أَثْبَتَهُ الْخَالِقُ لِنَفْسِهِ ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيُؤْمَنُ بِهِ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ ، وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ فَهُوَ مُشَبِّهٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ بِزَعْمِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ .
وَمَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ فَهُوَ : يُشَبِّهُ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْدِ مَقَالَتِهِمْ : أَنْ يَكْفُرَ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ ؛ إِذْ هُمْ كُفَّارٌ مُنْكِرُونَ لِجَمِيعِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ
[ ص: 196 ] فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُقِرِّينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَا مُصَدِّقِينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ .
نَقُولُ : لَوْ شَبَّهَ بَعْضُ النَّاسِ : يَدَ قَوِّيِّ السَّاعِدَيْنِ شَدِيدِ الْبَطْشِ ، عَالِمٍ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ ، جَيِّدِ الْخَطِّ ، سَرِيعِ الْكِتَابَةِ ، بِيَدِ ضَعِيفِ الْبَطْشِ ، مِنَ الْآدَمِيِّينَ ، خِلْوٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَالْمَكَاسِبِ ، أَخْرَقَ ، لَا يُحْسِنُ أَنْ يَخُطَّ بِيَدِهِ كَلِمَةً وَاحِدَةً ، أَوْ شَبَّهَ يَدَ مَنْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا بِالْقُوَّةِ ، وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ ، بِيَدِ صَبِيٍّ فِي الْمَهْدِ ، أَوْ كَبِيرٍ هَرِمٍ يَرْعَشُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضٍ ، وَلَا بَسْطٍ ، وَلَا بَطْشٍ .
أَوْ نَقُولُ لَهُ : يَدُكَ شَبِيهَةٌ بِيَدِ قِرْدٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ ، أَوْ دُبٍّ ، أَوْ كَلْبٍ ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ ، أَمَّا مَا يَقُولُهُ سَامِعُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ - إِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْحِجَا وَالنُّهَى - : أَخْطَأْتَ يَا جَاهِلُ التَّمْثِيلَ ، وَنَكَّسْتَ التَّشْبِيهَ ، وَنَطَقْتَ بِالْمُحَالِ مِنَ الْمَقَالِ ، لَيْسَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيَدِ ، جَازَ أَنْ يُشَبَّهَ وَيُمَثَّلَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى ، وَكُلُّ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَالْعِلْمُ عِنْدَهُ مُحِيطٌ : أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ مُخْتَلِفِي الصِّفَةِ ، مُتَبَايِنِي الْمَعَانِي .
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إِطْلَاقِ اسْمِ التَّشْبِيهِ ، إِذَا قَالَ الْمَرْءُ لِابْنِ آدَمَ ، وَلِلْقِرْدِ يَدَانِ ، وَأَيْدِيهِمَا مَخْلُوقَتَانِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مُشَبِّهًا مَنْ يَقُولُ لِلَّهِ يَدَانِ ، عَلَى مَا أَعْلَمَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَنَقُولُ : لِبَنِي آدَمَ يَدَانِ ، وَنَقُولُ : وَيَدَا اللَّهِ بِهِمَا خُلِقَ آدَمُ ، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ
لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَيَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ،
[ ص: 197 ] وَأَيْدِي بَنِي آدَمَ مَخْلُوقَةٌ عَلَى مَا بَيَّنْتُ وَشَرَحْتُ قَبْلُ : فِي بَابِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْبَابِ .
وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، أَيْ نِعْمَتَاهُ ، وَهَذَا تَبْدِيلٌ ، لَا تَأْوِيلٌ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى نَقْضِ دَعْوَاهُمْ : هَذِهِ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ ، لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ ، وَلِلَّهِ يَدَانِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا ، كَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، فَأَعْلَمَنَا - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّهُ خَلَقَ
آدَمَ بِيَدَيْهِ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتِهِ ، كَانَ مُبَدِّلًا لِكَلَامِ اللَّهِ ، وَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، أَفَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْإِيمَانِ : أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا لَا تَكُونُ قَبْضَةَ إِحْدَى نِعْمَتَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِالنِّعْمَةِ الْأُخْرَى .
أَلَا يَعْقِلُ - ذَوُو الْحِجَا - مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِيهَا الْجَهْمِيَّةُ جَهْلٌ ، أَوْ تَجَاهُلٌ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ ، بَلِ الْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَةُ رَبِّنَا - جَلَّ وَعَلَا - ، بِإِحْدَى يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وَهِيَ : الْيَدُ الْأُخْرَى ، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا يَمِينٌ ،
[ ص: 198 ] لَا شِمَالَ فِيهِمَا - جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ - أَنْ يَكُونَ لَهُ يَسَارٌ ؛ إِذْ كَوْنُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ يَسَارًا ، إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، - جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ - عَنْ شِبْهِ خَلْقِهِ ، وَافْهَمْ مَا أَقُولُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ ، تَفْهَمْ وَتَسْتَيْقِنْ ، أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ مُبَدِّلَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، لَا مُتَأَوِّلَةٌ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، لَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَدِ النِّعْمَةَ - كَمَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ - لَقُرِئَتْ : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَةٌ ، أَوْ مُنْبَسِطَةٌ ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ نِعْمَةٌ نِعْمَتَيْنِ لَا أَكْثَرَ .
فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، كَانَ الْعِلْمُ مُحِيطًا ، أَنَّهُ ثَبَّتَ لِنَفْسِهِ يَدَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا ، وَاَعْلَمَ أَنَّهُمَا مَبْسُوطَتَانِ ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .
وَالْآيَةُ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ النِّعْمَةَ ، حَكَى اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - قَوْلَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رَدًّا عَلَيْهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، وَبِيَقِينٍ يَعْلَمُ كُلُّ مُؤْمِنٍ : أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ، أَيْ : غُلَّتْ نِعَمَهُمْ ، لَا ، وَلَا الْيَهُودُ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَقَالَتَهُمْ ، وَكَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، وَأَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ إِنْفَاقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِيَدَيْهِ فِي خَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=17257هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656869 " يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى ، سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ " .
فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ يُنْفِقُ بِيَمِينِهِ ، وَهُمَا يَدَاهُ الَّتِي أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُنْفِقُ بِهِمَا كَيْفَ يَشَاءُ .
[ ص: 199 ] nindex.php?page=treesubj&link=28712_29716وَزَعَمَ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدَيْهِ " :
أَيْ بِقُوَّتِهِ ، فَزَعَمَ أَنَّ الْيَدَ هِيَ الْقُوَّةُ ، وَهَذَا مِنَ التَّبْدِيلِ أَيْضًا ، وَهُوَ جَهْلٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، وَالْقُوَّةُ إِنَّمَا تُسَمَّى الْأَيْدُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، لَا الْيَدُ ، فَمَنْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْيَدِ وَالْأَيْدِ ، فَهُوَ إِلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَى الْكَتَاتِيبِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى التَّرَؤُسِ وَالْمُنَاظَرَةِ .
قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاءَ بِأَيْدٍ ، وَالْيَدُ وَالْيَدَانِ غَيْرُ الْأَيْدِ ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِأَيْدٍ كَخَلْقِهِ السَّمَاءَ ، دُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَصَّ خَلْقَ
آدَمَ بِيَدَيْهِ ، لَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .
وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ : أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ خَلَقَ إِبْلِيسَ - عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ - أَيْضًا بِقُوَّتِهِ ، أَيْ إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى خَلْقِهِ ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ ، وَالْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ ، فَاللَّهُ خَلَقَهُمْ عِنْدَهُ بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ .
وَزَعَمَ مَنْ كَانَ يُضَاهِي بَعْضُ مَذْهَبِهِ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ : فِي بَعْضِ عُمْرِهِ لَمَّا لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْآثَارِ ، فَتَرَكَ أَصْلَ مَذْهَبِهِ عَصَبِيَّةً : زَعَمَ أَنَّ خَبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، إِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ . . الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ .
فَقَالَ : إِنَّمَا هَذَا مِنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا ضَحِكَ تَعَجُّبًا لَا تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ ، وَقَدْ كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ إِنْكَارِهِ ، وَدَفَعِهِ هَذَا الْخَبَرَ ، وَكَانَ يُثْبِتُ الْأَخْبَارَ فِي ذِكْرِ الْأُصْبُعَيْنِ ، قَدِ احْتَجَّ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ
[ ص: 200 ] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=697817 " مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أَصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَهُ ثَابِتًا يُحْتَجُّ بِهِ ، فَقَدْ أَقَرَّ وَشَهِدَ أَنَّ لِلَّهِ أَصَابِعَ ؛ لِأَنَّ مَفْهُومًا فِي اللُّغَةِ : إِذَا قِيلَ أَصْبَعَيْنِ مِنَ الْأَصَابِعِ : أَنَّ الْأَصَابِعَ أَكْثَرُ مِنْ أَصْبَعَيْنِ ، فَكَيْفَ يَنْفِي الْأَصَابِعَ مَرَّةً ، وَيُثْبِتُهَا أُخْرَى ؟ فَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الْمَذْهَبِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَقَدْ حَكَيْتُ مِرَارًا عَنْ بَعْضٍ مَنْ كَانَ يُطِيلُ مُجَالَسَتَهُ ، أَنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ فِي التَّوْحِيدِ مُنْذُ قَدِمَ نَيْسَابُورَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَقَدْ وَصَفْتُ أَقَاوِيلَهُ الَّتِي انْتَقَلَ مِنْ قَوْلٍ إِلَى قَوْلٍ ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِيَ بَعْضِ كُتُبِهِ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16861لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=131أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَيُخْبِرُ
خَالِدَ بْنَ اللَّجْلَاجِ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ ، عَنِ
[ ص: 201 ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ " ، فَيَحْتَجُّ مَرَّةً بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْوَاهِيَةِ ، الَّتِي لَا تَثْبُتُ عِنْدَ أَحَدٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ .
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، مِمَّا هُوَ أَقَلُّ شَنَاعَةً عِنْدَ
الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ " ، فَيَقُولُ : هَذَا كُفْرٌ بِإِسْنَادٍ ، وَيُشَنِّعُ عَلَى عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِرِوَايَتِهِمْ تِلْكَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ الصَّحِيحَةَ ، وَالْقَوْلُ بِهَا قِلَّةُ رَغْبَةٍ ، وَجَهْلٌ بِالْعِلْمِ وَعِنَادٌ .
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ : فَاللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ .
[ ص: 202 ]