في بيان ما رتب على الطاعات والمخالفات
الطاعات ضربان : أحدهما ما هو مصلحة في الآخرة كالصوم والصلاة والنسك والاعتكاف .
الضرب الثاني : ما هو مصلحة في الآخرة لباذله وفي الدنيا لآخذيه كالزكاة والصدقات والضحايا والهدايا والأوقاف والصلاة ، والخير كله في الطاعات والشر كله في المخالفات ; ولذلك جاء القرآن بالحث على الطاعات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها ، والزجر عن المخالفات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها ، فأما الحث على الطاعات فبمدحها وبمدح فاعليها ، وبما وعدوا عليها من الرضا والمثوبات ، وبما رتب عليها في الدنيا من الكفاية والهداية ، والتأهل للشهادة والرواية والولاية .
وأما الزجر عن المخالفات فبذمها وذم فاعليها ، وبما وعدوا [ ص: 21 ] عليها من السخط والعقوبات ، وبرد الشهادات والولايات والانعزال عن الولايات .
وأما ما قرن بالآيات من الصفات فإنه جاء أيضا حاثا على الطاعات ، وزجرا عن المخالفات ، مثل أن يذكر سعة رحمته ليرجوه فيعملوا بالطاعات ، ويذكر شدة نقمته ليخافوه فيجتنبوا المخالفات ، ويذكر نظره إليهم ، ليستحيوا من اطلاعه عليهم فلا يعصوه ، ويذكر تفرده بالضر والنفع ، ليتوكلوا عليه ويغوضوا إليه ، ويذكر إنعامه عليهم وإحسانه إليهم ، ليحبوه ويطيعوه ولا يخالفوه ، فإن القلوب مجبولة على حب من أنعم عليها وأحسن إليها .
وكذلك يذكر أوصاف كماله ليعظموه ويهابوه ، ويذكر سمعه ليحفظوا ألسنتهم من مخالفته ، ويذكر بصره ليستحيوا من نظر مراقبته ، ويجمع بين ذكر رحمته وعقوبته ، ليكونوا بين الخوف والرجاء ، فإن السطوة لو أفردت بالذكر لخيف من أدائها إلى القنوط من رحمته ، ولو أفردت الرحمة بالذكر لخيف من إفضائها إلى الغرور بإحسانه وكرامته ، مثل قوله : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } ، وقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب } ، وقوله : { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } وقد يجمع المدائح في بعض المواضع ، ليتعرف بها إلى عباده فيعرفوه بها ويعاملوه بمقتضاها .
وكذلك ما ذكره في قصص الأولين وإنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين ، إنما ذكره زجرا عن الكفر وحثا على الإيمان ، فيا خيبة من خالفه وعصاه ، ويا غبطة من أطاعه واتقاه .