فصل في الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصا لله وحده لا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرا ، ولا جلب نفع ديني ، ولا دفع ضرر دنيوي ، وله رتب : منها أن يفعلها خوفا من عذاب ومنها أن يفعلها تعظيما لله ومهابة وانقيادا وإجابة ، ولا يخطر له عرض من الأعراض ، بل يعبد مولاه كأنه يراه وإذا رآه غابت عنه الأكوان كلها وانقطعت الأعراض بأسرها وأمر العابد أن يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يقدر على تقدير نظره إلى الله ، فليقدر أن الله ناظر إليه ، ومطلع عليه فإن ذلك يحمله على الاستحياء منه والخوف والمهابة وهذا معلوم بالعبادات أن النظر إلى العظماء يوجب مهابتهم وإجلالهم والأدب معهم إلى أقصى الغايات ، فما الظن بالنظر إلى رب السموات ؟ وكذلك لو قدر إنسان في نفسه أن عظيما من العظماء ناظر إليه ، ومطلع عليه ، [ ص: 147 ] لم يتصور لأن يأتي برذيلة ، وأنه يتزين له بملابسة كل فضيلة ، فسبحان الله ما جمع هذا الحديث من الأدب مع الله في عياداته وطاعاته . بيان الإخلاص في العبادات وأنواع الطاعات