إن قيل : لما فيه من اجتناب الرياء أم لا ؟ فالجواب : إن هل الإخفاء أفضل من الإعلان : أحدها ما شرع مجهورا به كالأذان والإقامة والتكبير ، والجهر بالقراءة في الصلاة ، والخطب الشرعية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الجمعة والجماعات والأعياد ، والجهاد ، وعيادة المرضى ، وتشييع الأموات ، فهذا لا يمكن إخفاؤه . فإن خاف فاعله الرياء جاهد نفسه في دفعه إلى أن تحضره نية إخلاصه ، فيأتي به مخلصا كما شرع ، فيحصل على أجر ذلك الفعل وعلى أجر المجاهد ، لما فيه من المصلحة المتعدية . الطاعات ثلاثة أضرب
الثاني : ما يكون إسراره خيرا من إعلانه كإسرار القراءة في الصلاة . وإسرار أذكارها ، فهذا إسراره خير من إعلانه .
الثالث : ما يخفى تارة ويظهر أخرى كالصدقات ، فإن خاف على نفسه الرياء أو عرف ذلك من عادته ، كان الإخفاء أفضل من الإبداء ، لقوله تعالى : { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } ، ومن أمن الرياء فله حالان : [ ص: 153 ] إحداهما ألا يكون ممن يقتدى به - فإخفاؤها أفضل ، إذ لا يأمن من الرياء عند الإظهار ، وإن كان ممن يقتدى به كان الإبداء أولى لما فيه من سد خلة الفقراء مع مصلحة الاقتداء ، فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتسببه إلى تصدق الأغنياء عليهم وقد نفع الأغنياء بتسببه إلى اقتدائهم به في نفع الفقراء .