فصل في تعريف ما يظهر من معارف الأولياء وأحوالهم
، فإذا أردت معرفة مراتب الرجال فانظر إلى ما يظهر عليهم من الآثار ، ويغلب عليهم من الأقوال والأعمال ، فمن غلب عليه آثار الخوف كالبكاء والاقشعرار عند ذكر الوعيد فهو من الخائفين ، ومن غلب عليه السرور والاستبشار عند ذكر الوعد فاعلم أنه من الراجين ومن غلبا عليه عند ذكرهما فهو من الخائفين الراجين ، ومن غلب عليه الهشاشة والبشاشة عند ذكر الجمال فهو من المحبين ، الراجين ، ومن غلب عليه الانقباض والذل عند ذكر العظمة والجلال فهو من الهائبين المعظمين ، ومن غلب عليه الانقطاع عن الأسباب عند نزول النوازل وحلول المصائب فهو من المتوكلين ، ومن غلب عليه من هؤلاء أفضل المعارف والأحوال فهو الأفضل ، ومن غلب عليه الخوف والرجاء فهو [ ص: 228 ] الأسفل ، ومن غلب عليه محبة الإجلال فهو أفضل ممن غلب عليه محبة الإنعام والإفضال ، وغلبة الخوف خير من غلبة الرجاء . للأحوال آثار تظهر على الجوارح والأبدان
وكان الأنبياء يتصفون بهذه الأحوال في مظانها وعند تحقق أسبابها وقد يغلب الحال على الضعيف من الأولياء فيفقد لبه لعظمة ربه ، وقد يضحك أحدهم طمعا في قرب ربه وإسعاده ، ويبكي أحدهم خوفا من طرده وإبعاده .
فكل من هؤلاء إذا ذكر نفسه بهذه الصفات في خلوة نشأ عن تذكره بهذه الأحوال ، فسبحان من أنعم عليهم وأحسن إليهم بما وصلوا إليه وقدموا عليه ، فإذا غلب الحال على أحدهم خرج عن الإدراك والإحساس ، فلو ضرب وجه أحدهم بالسيف لما أحس به ، وقد كان أحد هؤلاء في الزمن القديم لينشر بالمناشر فلا يبالي بذلك ، ولمثل هذه لما تهدد فرعون السحرة بالقطع والصلب قالوا : لا ضير ، فيحتمل أن حالاتهم اقتضت ذلك ، ويحتمل أنهم قالوا ذلك صبرا على البلاء في ذات الله ، يدل عليه قولهم : ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين .