، ولقد نال الأنبياء من ذلك أفضل منال ، فورث عنهم العارفون بعض المعارف والأحوال ، وورث عنهم العارفون التقرب بالأقوال والأعمال ، وورث عنهم الفقهاء التقرب بمعرفة الأحكام المتعلقة بالجوارح والأبدان ، وورث عنهم أهل الطريقة الأحكام المتعلقة بالبواطن ، وورث عنهم الزهاد الترك والإقلال ، واختص الأنبياء بمعارف لا تدرك بنظر العقول لا بضرورتها ، واختصوا بالأحوال المبنية على تلك المعارف ، ولعل بعض الأولياء والأبدال ورثوا أشياء من ذلك ، وكذلك اختص الأنبياء بالمعجزات والكرامات ، وشاركهم الأولياء في بعض الكرامات . الفضائل بالمعارف والأحوال وما يتبعهما من الأقوال والأعمال
والمعارف والأحوال غير الكرامات وخرق العادات ، لتعلق المعارف بالله وتعلق الكرامات بخرق العادات في بعض المخلوقات . وفرق فيما تعلق برب الأرض والسموات . وفيما تعلق بفك اطراد العادات من النظر إلى رب الأرباب ومالك الرقاب من النظر إلى من هو ستر وحجاب بين القلوب وبين الملك الوهاب ، وكفى بالغفلة عن الله عقابا . [ ص: 227 ]
ارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه
وفقنا الله للإقبال عليه والإصغاء ، إليه ، ولما لم يدان الأنبياء أحد في شيء مما ذكرناه من المعارف والأحوال ، وكذلك في الأعمال ، لم يدانهم في أدائها أحد ، لأن ركعة من الأنبياء أفضل من ركعات كثيرة من غيرهم لكمالها في القيام بوظائف آدابها : من التعظيم والإجلال والخضوع والخشوع حتى كأنهم ينظرون إلى ربهم ، وكذلك قيام ليلة منهم أفضل من قيام ليال كثيرة من غيرهم لما في عبادات الأنبياء من كمال التعظيم والإجلال وما في عبادة غيرهم من النقص والإخلال ، وكذلك أحوالهم ومعارفهم في حضورهم بغير استحضار ودوامها على مر الليالي والأيام .