فصل في السؤال 
يشرف السؤال بشرف المسئول عنه : فالسؤال عن الله وصفاته  أفضل من كل سؤال لأنه وسيلة إلى معرفة ذاته وصفاته قال الله تعالى : { فاسأل به خبيرا    } ثم السؤال عما تمس لضرورة أو الحاجة إليه من أحكامه  ، وكذلك السؤال عما يلابسه المكلف من مجهول الأقوال والأعمال  ، ثم السؤال عن معرفة مصالح ما يعزم عليه  ، فإن كان من المصالح المقدمة قدم ، وإن كان من المصالح المؤخرة أخر ، وإن جهل أهو من المصالح المقدمة أم المؤخرة فلا يقدم حتى يعلم الأصلح من تقديمه وتأخيره . 
وأما سؤال الشيء وطلبه    : فإن كان المطلوب محرما فسؤاله حرام ، وإن كان مكروها فسؤاله مكروه ، وإن كان واجبا فسؤاله واجب ، وإن كان مندوبا فسؤاله ندب ، وأما طلب المباح    : فإن كان مما لا يتأذى المطلوب منه ببذله ولا رده فلا بأس به كالسؤال عن الطريق وعن اسم الرفيق ، وإن كان مما يتأذى ببذله المسئول منه ويخجل إذا رده فهذا مكروه ، وإن كان السائل قادرا على تحصيله بغير مسألة من جهة أن يخجل المسئول أن يرده فيتأذى بمشقة الخجل ويستحي إذا منعه : إما لبخله ، وإما لحاجته ،  [ ص: 203 ] وإن كان عاجزا عن تحصيله مع مسيس الحاجة إليه فلا بأس بسؤاله ، كما سأل موسى  والخضر  عليهما السلام الضيافة من أهل قرية لئام فلم يضيفوهما . 
فإن قيل قد قال عليه السلام في حديث قبيصة    : { إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة ، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يقضيها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - فما سواهن يا قبيصة  من المسألة سحتا يأكلها صاحبها   } فجعل ما عدا ذلك سحتا . 
قلنا ذلك محمول على أن يسأل الزكاة من ليس أهلا لها  ، وذلك من الطلب المحرم ، وقد سأل جماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فلم ينكر عليهم الرسول ولا أحد من الصحابة والتابعين ، ولكن يجاب عن ذلك بأنها وقائع أحوال ، ولعل الرسول والصحابة شاهدوا من ضعف السؤال وقرائن الأحوال ما يجوز لهم السؤال ، فلو كانوا ممن تظهر منهم القدرة على كسب الكفاية لصحة أجسامهم وقوة أبدانهم ولم ينكروا عليه لحصل الغرض ، وقد يسأل الكريم الأريحي ما هو محتاج إليه فيتأذى بمنعه وبذله ، وهذا معروف عند أهل الكرم والمروآت ، وكيف يفلح من عود نفسه السؤال مع ما جاء فيه من الوعيد والإنكار ، ومما يكره السؤال عنه سؤال ما لا حاجة إليه  من الفضول . 
وأما السؤال عن عورات الناس لغير مصلحة شرعية  فمحرم داخل في قوله : { ولا تجسسوا    } . وإن كثيرا من أهل المروآت ليعز عليهم أن يسألوا عن الطرقات مع أنه لا يضر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					