الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات لسعي العباد في تحصيلها ، وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد في درئها ، وبيان مصالح العبادات ليكون العباد على خبر منها ، وبيان ما يقدم من بعض المصالح على بعض ، وما يؤخر من بعض المفاسد على بعض ، وما يدخل تحت اكتساب العبيد دون ما لا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه ، [ ص: 11 ] والشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح ، فإذا سمعت الله يقول : { يأيها الذين آمنوا } ; فتأمل وصيته بعد ندائه ، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه ، أو جمعا بين الحث والزجر ، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثا على اجتناب المفاسد وما في بعض الأحكام من المصالح حثا على إتيان المصالح . فصل في تقسيم اكتساب العباد
اعلم أن اكتساب العباد ضربان : أحدهما ما هو سبب للمصالح وهو أنواع :
أحدها : ما هو سبب لمصالح دنيوية .
والثاني : ما هو سبب لمصالح أخروية .
الثالث ما هو سبب لمصالح دنيوية وأخروية ، وكل هذه الاكتسابات مأمور بها ، ويتأكد الأمر بها على قدر مراتبها في الحسن والرشاد ، ومن هذه الاكتسابات ما هو خير من الثواب كالمعرفة والإيمان ، وقد يكون الثواب خيرا من الاكتساب كالنظر إلى وجه الله الكريم ورضاه الذي هو أعلى من كل نعيم سوى النظر إلى وجهه الكريم .
الضرب الثاني : من الاكتساب ما هو سبب للمفاسد وهو أنواع : أحدهما : ما هو سبب لمفاسد دنيوية ، الثاني ما هو سبب لمفاسد أخروية ، الثالث : ما هو سبب لمفاسد دنيوية وأخروية ، وكل هذه الاكتسابات منهي عنها ، ويتأكد النهي عنها على قدر مراتبها في القبح والفساد .