وإنما شرعت دفعا للضغائن والأحقاد ، وللرضاء بما جرت به الأقدار ، وقضاه الملك الجبار ، فمن ذلك الإقراع بين الخلفاء عند تساويهم في مقاصد الخلافة ، ومن ذلك الإقراع بين الأئمة عند تساويهم في مقاصد الإمامة ، ومن ذلك تقارعهم على الأذان عند تساوي المؤذنين ، ومن ذلك الإقراع في الصف الأول عند تزاحم المتسابقين ، ومن ذلك الإقراع في تغسيل الأموات عند تساوي الأولياء في الصفات ، ومن ذلك الإقراع بين الحاضنات إذا كن في رتبة واحدة ، [ ص: 91 ] ومن ذلك الإقراع بين الأولياء إذا أذنت لهم المرأة وكلهم في درجة واحدة ، ومن ذلك الإقراع في السفر بين الزوجات ; لما في تخير الزوج من إيغار صدورهن وإيحاش قلوبهن . القرعة عند تساوي الحقوق
وكذلك لو أراد البداءة بإحداهن في القسم ، ومن ذلك الإقراع في زفافهن ، ومن ذلك الإقراع بين العبيد في الإعتاق إذا زادوا على الثلث ، ومن ذلك الإقراع في استيفاء القصاص من قتل جماعة دفعة واحدة ، ولا يتخير الحاكم بين أولياء القتلى إذا طلبوا القصاص دفعا لإيغار صدورهم ، وإذا تساوت السهام في قسمة الدور والأراضي لم يتخير القاسم بل يقرع بين الشركاء لتساوي حقوقهم ولا يتخير في التقدم لما فيه من إيغار الصدور ، ولو أقرع بينهم لئلا يوغر صدورهم ، وإن ترجح بعضهم على بعض كالمرأة والمقيم والمسافر قدم المرأة على الرجال لأنها عورة ، وقدم المسافر على المقيم لئلا يتضرر بفوت الرفاق ، ولا وجه للإقراع عند تعارض البينتين ولا عند تعارض الخبرين ، إذ لا يفيد ثقة بأحد الخبرين ولا بإحدى الشهادتين ، ومن ذلك الإقراع في التقاط اللقطاء ، ولو حضر الحاكم خصوم لا مزية لبعضهم على بعض احتمل أن يقرع بينهما ، واحتمل أن يتخير بينهما من يفوض إليه ذلك . فكل هذه الحقوق متساوية المصالح ولكن الشرع أقرع ليعين بعضها دفعا للضغائن والأحقاد المؤدية إلى التباغض والتحاسد والعناد ، فإن من يتولى الأمر في ذلك إذا قدم بغير قرعة أدى ذلك إلى مقته وبغضته ، وإلى أن يحسد المتأخر المتقدم ; فشرعت القرعة دفعا لهذا الفساد والعناد ، لا لأن إحدى المصلحتين رجحت على الأخرى ، ولا يمكن مثل ذلك في تعارض البينتين ، فإن القرعة لا ترجح الثقة بإحدى [ ص: 92 ] الشهادتين إذ لا تزيد بيانا ، والترجيح في كل باب إنما يقع بالزيادة في مقاصد ذلك الباب . تساوى اثنان يصلحان للولاية أو الإمامة أو الأحكام