وما ذكره لا مزيد عليه ولكن جعل : ما أنفقه قرضا عنده فيه نظر ولا شك في أن الورع أن يجعله قرضا ، فإذا وجد حلالا تصدق بمثله ، ولكن مهما لم يجب ذلك على الفقير الذي يتصدق به عليه ، فلا يبعد أن لا يجب عليه أيضا إذا أخذه لفقره لا ، سيما إذا وقع في يده من ميراث ، ولم يكن متعديا بغصبه وكسبه حتى يغلظ الأمر عليه فيه .
مسألة :
إذا كان في يده حلال وحرام أو شبهة ، وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليخص نفسه بالحلال لأن الحجة عليه أوكد في نفسه منه في عبده وعياله وأولاده الصغار والكبار من الأولاد يحرسهم من الحرام إن كان لا يفضي بهم إلى ما هو أشد منه ، فإن أفضى فيطعمهم بقدر الحاجة .
وبالجملة ما يحذره في غيره فهو محذور في نفسه وزيادة وهو أنه يتناول مع العلم والعيال ربما تعذر إذا لم تعلم إذ لم تتول الأمر بنفسها فليبدأ بالحلال بنفسه ثم بمن يعول وإذا تردد في حق نفسه بين ما يخص قوته وكسوته وبين غيره من المؤن كأجرة الحجام والصباغ والقصار والحمال والاطلاء بالنورة والدهن وعمارة المنزل وتعهد الدابة وتسجير التنور وثمن الحطب ودهن السراج فليخص بالحلال قوته ولباسه فإن ما يتعلق ببدنه ولا غنى به عنه هو أولى بأن يكون طيبا وإذا دار الأمر بين القوت واللباس فيحتمل أن يقال يخص القوت بالحلال ; لأنه ممتزج بلحمه ودمه ، وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به .
وأما الكسوة ففائدتها ستر عورته ودفع الحر والبرد والأبصار عن بشرته وهذا هو الأظهر عندي .
وقال : الحارث المحاسبي يقدم اللباس لأنه يبقى عليه مدة والطعام لا يبقى عليه لما روي أنه لا يقبل الله صلاة من عليه ثوب اشتراه بعشرة دراهم فيها درهم حرام .
وهذا محتمل ولكن أمثال هذا قد ورد فيمن في بطنه حرام ، ونبت لحمه من حرام .
فمراعاة اللحم والعظم أن ينبته من الحلال أولى ولذلك تقيأ الصديق رضي الله عنه ما شربه مع الجهل حتى لا ينبت منه لحم يثبت ويبقى .
فإن قيل : فإذا كان الكل منصرفا إلى أغراضه ، فأي فرق بين نفسه وغيره وبين جهة وجهة ، وما مدرك هذا الفرق قلنا: عرف ذلك بما روي أن رافع بن خديج رحمه الله مات وخلف ناضحا وعبدا حجاما ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهى عن ، كسب الحجام فروجع مرات فمنع منه فقيل : إن له أيتاما فقال : أعلفوه الناضح .
فهذا يدل على الفرق بين ما يأكله هو أو دابته فإذا انفتح سبيل الفرق فقس عليه التفصيل الذي ذكرناه .


