الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 34 ] آ. (14) وقوله: له دعوة الحق : من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، والأصل: له الدعوة الحق كقوله: ولدار الآخرة على أحد الوجهين. وقال الزمخشري : "فيه وجهان، أحدهما: أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قوله: "كلمة الحق". والثاني: أن تضاف إلى الحق الذي هو الله على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب". قال الشيخ: "وهذا الوجه الثاني لا يظهر; لأن مآله إلى تقدير: لله دعوة الله كما تقول: لزيد دعوة زيد، وهذا التركيب لا يصح". قلت: وأين هذا مما قاله الزمخشري حتى يرد عليه به؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: والذين يدعون يجوز أن يراد بالذين المشركون، فالواو في "يدعون" عائده، ومفعوله محذوف وهو الأصنام، والواو في لا يستجيبون عائد على مفعول "يدعون" المحذوف، وعاد عليه الضمير كالعقلاء لمعاملتهم إياه معاملتهم. والتقدير: والمشركون الذين يدعون الأصنام لا تستجيب لهم الأصنام إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أي: كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه، ولا يقدر أن يجيبه ويبلغ فاه، قال معناه الزمخشري . ولما ذكر أبو البقاء قريبا من ذلك وقدر التقدير المذكور قال: "والمصدر في هذا التقدير مضاف [ ص: 35 ] إلى المفعول كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ، وفاعل هذا المصدر مضمر هو ضمير الماء، أي: لا يجيبونهم إلا كما يجيب الماء باسط كفه إليه، والإجابة هنا كناية عن الانقياد".

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يراد بالذين: الأصنام، أي: والآلهة الذين يدعونهم من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء إلا استجابة، والتقدير كما تقدم في الوجه قبله. وإنما جمعهم جمع العقلاء: إما للاختلاط; لأن الآلهة عقلاء وجماد، وإما لمعاملتهم إياها معاملة العقلاء في زعمهم، فالواو في "يدعون" للمشركين، والعائد المحذوف للأصنام، وكذا واو "يستجيبون".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ اليزيدي عن أبي عمرو "تدعون" بالخطاب وهي مقوية للوجه الثاني: ولم يذكر الزمخشري غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ليبلغ" اللام متعلقة بـ "باسط" وفاعل "ليبلغ" ضمير الماء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما هو ببالغه في "هو" ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ضمير الماء. والهاء في "ببالغه" للفم، أي: وما الماء ببالغ فيه. الثاني: أنه ضمير الفم، والهاء في "ببالغه" للماء، أي: وما الفم ببالغ الماء; إذ كل واحد منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحال، فنسبة الفعل إلى كل واحد وعدمها صحيحتان. الثالث: أن يكون ضمير الباسط، والهاء في "ببالغه" للماء، أي: وما باسط كفيه إلى الماء ببالغ الماء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجوز أن يكون "هو" ضمير الباسط، وفاعل "ببالغه" مضمرا والهاء في "ببالغه" للماء، لأنه حينئذ يكون [ ص: 36 ] من باب جريان الصفة على غير من هي] له، ومتى كان كذا لزم إبراز الفاعل فكان التركيب هكذا: وما هو ببالغه الماء، فإن جعلت الهاء في "ببالغه" للماء جاز أن يكون "هو" ضمير الباسط كما تقدم تقريره.

                                                                                                                                                                                                                                      والكاف في "كباسط": إما نعت لمصدر محذوف، وإما حال من ذلك المصدر كما تقدم تقريره غير مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: والكاف في "كباسط" إن جعلتها حرفا كان فيها ضمير يعود على الموصوف المحذوف، وإن جعلتها اسما لم يكن فيها ضمير. قلت: وكون الكاف اسما في الكلام لم يقل به الجمهور، بل الأخفش، ويعني بالموصوف ذلك المصدر الذي قدره فيما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية