الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ذكر ما جرى في السنة الثانية من الهجرة]

ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة . فمن الحوادث فيها:

[زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله عنهما]

[أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه] تزوج فاطمة رضي الله عنها في صفر لليال بقين منه ، وبنى بها في ذي الحجة . [ ص: 85 ]

وقد روي أنه تزوجها في رجب بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر ، وبنى بها [بعد] مرجعه من بدر . والأول أصح .

وكانت فاطمة يوم بنى بها بنت ثمان عشرة سنة ، وأهديت في بردين وعليها دملوجان من فضة ، وكان معها حميلة ومرفقة من أدم حشوها ليف ، ومنخل ، وقدح ، ورحى ، وجرتان .

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم .

قال: وحدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا المنذر بن ثعلبة قال: أخبرنا علياء بن أحمر اليشكري: أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له: "انتظر بها القضاء" فجاء عمر إلى أبي بكر وأخبره ، فقال: لله درك يا أبا بكر . ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: "انتظر بها القضاء" فجاء إلى أبي بكر فأخبره فقال: لله درك يا عمر . ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله . فقال: بعد أبي بكر وعمر؟! فذكروا له قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ، فباع علي بعيرا له وبعض متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعل ثلاثين في الطيب وثلثا في المتاع" . قال محمد بن سعد: وأخبرنا وكيع ، عن عباد بن منصور قال: سمعت عطاء يقول: خطب علي فاطمة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عليا يذكرك" فسكتت ، فزوجها . [ ص: 86 ]

قال: وحدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: أخبرنا أيوب ، عن عكرمة .

أن عليا خطب فاطمة رضي الله عنهما ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تصدقها؟" قال: ما عندي ما أصدقها . قال: "فأين درعك الحطمية؟" قال: عندي . قال: "اصدقها إياها وتزوجها" .

قال: وأخبرنا مالك بن سعيد النهدي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي ، عن عبد الكريم بن سليط بن بريدة ، عن أبيه قال: أتى علي كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال: "ما حاجة ابن أبي طالب؟" قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله محمد . قال: "مرحبا وأهلا" لم يزده عليها .

فخرج علي على رجال من الأنصار فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا . قال: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما ، أعطاك الأهل وأعطاك المرحب .


فلما كان بعد أن زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة . فقال سعد: عندي كبشان . وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة ، فلما كان ليلة البناء ، [ ص: 87 ] قال: "لا تحدث شيئا حتى تلقاني" . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على [علي] ثم قال: "اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما" . قال: وأخبرنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن عامر قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ، ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، وما لي ولها خادم غيرها . قال ابن سعد : وأخبرنا محمد بن عمر ، قال: وحدثني إبراهيم بن شعيب ، عن يحيى بن شبل ، عن أبي جعفر قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل على أبي أيوب ، فلما تزوج [علي] بفاطمة قال لعلي: اطلب منزلا . فطلب علي منزلا فأصابه مستأخرا عن رسول الله قليلا ، فبنى بها فيه ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فقال: "إني أريد أن أحولك إلي" فقال: يا رسول الله ، فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول عني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [قد] تحول حارثة عنا حتى قد استحييت [منه] " فبلغ ذلك حارثة فتحول ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك ، وهذه منازلي [وهي أسقب بيوت بني النجار بك] ، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله ، والله يا رسول الله [المال] الذي [ ص: 88 ] تأخذ [مني] أحب إلي من الذي تدع ، فقال: "صدقت ، بارك الله عليك" فحولها رسول الله إلى بيت حارثة . أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار قال: أخبرنا ابن حيويه قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد قال: حدثنا خباب بن موسى العبدي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه .

بتنا ليلة بغير عشاء ، فأصبحت فخرجت ، ثم رجعت إلى فاطمة وهي محزونة ، فقلت: ما لك؟ قالت: لم نتعش البارحة ، ولم نتغد اليوم ، وليس عندنا عشاء ، فخرجت فالتمست فأصبت ما اشتريت طعاما [ولحما] ، ثم أتيتها به ، فخبزت وطحنت ، فلما فرغت من إنضاج القدر قالت: لو أتيت أبي فدعوته . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع في المسجد وهو يقول: "أعوذ بالله من الجوع ضجيعا" . قلت: بأبي وأمي يا رسول الله ، عندنا طعام ، فهلم . فتوكأ علي حتى دخل والقدر تفور ، فقال: "اغرفي لعائشة " فغرفت في صحفة ، ثم قال: "اغرفي لحفصة" فغرفت في صحفة ، حتى غرفت لجميع نسائه التسع ، ثم قال: "اغرفي لابنك وزوجك" فغرفت ، ثم رفعت القدر وإنها لتفيض ، فأكلنا ما شاء الله .


التالي السابق


الخدمات العلمية