الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[غزوة المريسيع]

وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع في شعبان ، وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها: المريسيع ، وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار ، فسار في قومه ، ومن قدر عليه فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه ، وتهيأوا للمسير معه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك ، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا ، وخرج معهم جماعة من المنافقين ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم [على المدينة ] زيد بن حارثة ، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان ، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد قتل عينه [ ص: 219 ] الذي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب ، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع ، فضرب عليه قبته ومعه عائشة و أم سلمة ، فتهيئوا للقتال ، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة ، فتراموا بالنبل ساعة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فحملوا حملة رجل واحد ، فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون ، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء ، فكانت الإبل ألفي بعير ، والشاء خمسة آلاف ، والسبي مائتي أهل بيت ، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد .

وقد روى ابن عمر أنه كان حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون ونعمهم يسقى على الماء .

قال مؤلف الكتاب: والأول أصح .

ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم ، وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له ، فكاتباها ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها ، فأدى عنها وتزوجها وسماهابرة ، وقيل: إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها .

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع .

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: حدثنا الحسين بن الفهم ، قال: أخبرنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد بن قسيط ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن عائشة قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني المصطلق ، فأخرج الخمس منه ، ثم قسمه بين الناس ، فأعطى الفرس سهمين والرجل سهما ، فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس ، وكاتبها ثابت بن قيس على تسع أواق ، وكانت امرأة حلوة لا يكاد أحد [ ص: 220 ] يراها إلا أخذت بنفسه ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت عليه جويرية ، فسألته في كتابتها فو الله ما هو إلا أن رأيتها ، فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت ، فقالت: يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه ، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبني على تسع أواق؛ فأعني في فكاكي ، فقال: "أو خير من ذلك؟!" قالت: ما هو يا رسول الله؟ قال: "أودي عنك كتابتك وأتزوجك" قالت: نعم يا رسول الله . قال: "قد فعلت" وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون! فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء المصطلق ، فبلغ عتقهم إلى مائة بيت بتزويجه إياها ، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها

التالي السابق


الخدمات العلمية