الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحوادث في السنة العاشرة من النبوة

[وفاة أبي طالب]

منها: موت أبي طالب ، فإنه توفي للنصف من شوال في هذه السنة ، وهو ابن بضع وثمانين سنة .

ولما مرض أبو طالب دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام . [ ص: 8 ]

فأخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني معمر بن راشد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده عبد الله بن أبي أمية وأبا جهل بن هشام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا عم ، قل: لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله" .

فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب؟

قال: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويقول: "يا عم ، قل: لا إله إلا الله ، أشهد لك بها عند الله" .

ويقولان له: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب؟

حتى قال آخر كلمة تكلم بها: أنا على ملة عبد المطلب . ثم مات .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" .

فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حتى نزلت هذه الآية: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
. قال محمد بن عمر : وحدثني محمد بن عبد الله بن أخي الزهري ، عن أبيه ، عن [ ص: 9 ] عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري ، قال: قال أبو طالب : يا ابن أخي ، والله لولا رهبة أن تقول قريش: [وهرني] الجزع ، فتكون سبة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي تقول ، وأقررت عينك لما أرى من شكرك ووجدك ونصيحتك [لي .

ثم إن أبا طالب دعا] بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد [وما اتبعتم] أمره ، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تأمرهم بها وتدعها لنفسك؟" .

فقال أبو طالب: أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتك على الذي تقول ، ولكني أكره أن أجزع عند الموت ، فترى قريش أني أخذتها جزعا ورددتها في صحتي
. قال محمد بن عمر : وحدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي رضي الله عنه قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب فبكى ثم قال:

"اذهب فاغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه" .

قال ففعلت . قال ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته ، حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى . [ ص: 10 ]

قال علي : وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلت
.

قال محمد : وأخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي رضي الله عنه قال:

أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات .

قال: "اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني" .

فأتيته ، فقلت له ، فأمرني فاغتسلت ، ثم دعا لي بدعوات ما يسرني ما عوض بهن من شيء
. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا إبراهيم بن أبي العباس قال: أخبرنا الحسن بن يزيد الأصم ، قال: سمعت إسماعيل السدي يذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال:

لما توفي أبو طالب أتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقلت: إن عمك الشيخ قد مات .

قال: "اذهب فواره ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني" .

قال: فاغتسلت ثم أتيته ، فدعا لي بدعوات [ما يسرني أني لي] بها حمر النعم وسودها . قال: وكان علي رضي الله عنه [إذا غسل الميت] اغتسل
. وقال ابن عباس : عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة أبي طالب وقال:

"وصلت رحمك ، جزاك الله خيرا يا عم"
.

التالي السابق


الخدمات العلمية