الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة كانت غزوة تبوك وذلك في رجب

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كبيرة ، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة ، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان ، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك ، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب ليستنفرهم ، وذلك في حر شديد ، وخلف علي بن أبي طالب على أهله ، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة ، وجاء البكاءون يستحملونه .

واختلف في عددهم وأسمائهم ، فروى أبو صالح عن ابن عباس ، قال: هم ستة:

عبد الله بن معقل ، وصخر بن سلمان . وعبيد الله بن كعب ، وعلية بن زيد ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن غنمة .

وذكر محمد بن مسلمة مكان صخر بن سلمان ، سلمة بن صخر ، ومكان ثعلبة بن غنمة ، عمرو بن غنمة ، قال: وقيل منهم معقل بن يسار .

وروى ابن إسحاق عن أشياخ له : أن البكائين سبعة من الأنصار: سالم بن عمير ، وعلية بن زيد ، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، وعمرو بن الحمام ، وعبد الله بن معقل ، وبعض الناس تقول عبد الله بن عمرو المزني ، وعرباض بن سارية ، وهرمي بن عبد الله .

وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن ، وهم سبعة ، وقد ذكرهم محمد بن سعد ، فقال:

النعمان بن عمرو بن مقرن ، وسنان بن مقرن ، وعقيل بن مقرن ، وعبد الرحمن بن مقرن ، وعبد الرحمن بن عقيل بن مقرن ، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أجد ما أحملكم عليه" فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا . [ ص: 363 ]

وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم [في التخلف] من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلا ، وجاء المعذرون من الأعراب ، فاعتذروا فلم يعذرهم ، وهم اثنان وثمانون رجلا ، وكان عبد الله بن أبي قد عسكر في حلفائه من اليهود والمنافقين على ثنية الوداع ، واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة ، وجاء واثلة بن الأسقع فبايعه ثم لحق به ، فلما سار تخلف [عبد الله] بن أبي ومن معه ، وبقي نفر من المسلمين ، منهم: كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر الغفاري ، فقدم تبوكا في ثلاثين ألفا من الناس ، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس ، وكان على حرسه عباد بن بشير ، ولقوا في الطريق شدة .

قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن ساعة العسرة ، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد ظننا أن رقابنا ستقطع حتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تتقطع ، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا ، قال: "تحب ذلك" ، قال:

نعم ، فرفع يديه فلم يرجعها حتى [قالت السماء] فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر .
وفي هذه السفرة: اشتد بهم العطش ومعهم إداوة فيها ماء فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء ففاضت حتى روي العسكر وهم ثلاثون ألفا ، والإبل اثنا عشر ألفا ، والخيل عشرة آلاف .

وفيها: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر [من] أرض ثمود ، واستقى الناس من أبيارهم فنهاهم .


قال ابن عمر : إن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر فاستسقوا من أبيارها وعجنوا به ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من أبيارها وأن يعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من النهر التي كانت ترده الناقة . [ ص: 364 ]

أخرجاه في الصحيحين .

فصل

قال علماء السير: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة ، ولحقه أبو خيثمة وأبو ذر ، وكان أبو خيثمة قد رجع من بعض الطريق ، فوجد امرأتين له ، [قد] هيأت كل واحدة منهما عريشا وبردت فيه ماء وهيأت طعاما ، فوقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح وأبو خيثمة في ظلال وماء بارد ، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . فلحقه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا ، وكان هرقل يومئذ بحمص

التالي السابق


الخدمات العلمية