الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
36 – حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف :

أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وكان له من الولد يعلى ، وبه كان يكنى ، وعامر ، وعمارة [وقد كان يكنى به] أيضا ، وأمامة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد ، وكان ليعلى أولاد درجوا فلم يبق لحمزة عقب .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل ، قال: أخبرنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار : أن حمزة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه جبريل عليه السلام في صورته ، فقال: "إنك لا تستطيع [أن تراه] " قال: بلى ، قال: "فاقعد [مكانك] " ، فنزل جبريل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا في البيت ، فقال: ارفع [ ص: 179 ] طرفك فانظر ، فنظر فإذا قدماه مثل الزبرجد الأخضر ، فخر مغشيا عليه . قال علماء السير: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة ، وآخى بينه وبين زيد بن حارثة ، وإليه أوصى حمزة حين حضر القتال يوم أحد وقتله وحشي يومئذ وشق بطنه وأخذ كبده وجاء بها إلى هند بنت عتبة ، فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت فمثلت بحمزة ، وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة .

ودفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبر واحد ، وحمزة خال عبد الله ، ونزل في قبر حمزة أبو بكر وعمر وعلي والزبير ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على حفرته .

أخبرنا يحيى بن علي المدبر ، قال: أخبرنا عبد الصمد بن المأمون ، قال: أخبرنا الدارقطني ، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن حمدون ، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الأزدي ، قال: أخبرنا جحش بن المثنى ، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الفضل ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو الضمري ، قال:

خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص ، قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم ، وكان وحشي يسكن حمص ، فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا فرد السلام وعبيد الله معتمر بعمامته ما يرى منه إلا عيناه ورجلاه ، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ فنظر إليه ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة فولدت له غلاما فاسترضعته فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميه ، فكشف عبيد الله وجهه ، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ فقال: نعم ، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر ، فقال لي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر ، فلما خرج الناس عام عينين - قال: وعينين جبل تحت أحد بينه وبينه واد - فخرجت مع الناس إلى القتال ، فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع ، فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة ، فقال: يا سباع يا ابن [أم] أنمار مقطعة البظور ، أتحارب الله ورسوله ، ثم شد عليه وكان كأمس الذاهب ، وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي ، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعتها في ثنيته حتى دخلت [ ص: 180 ] بين وركيه ، وكان ذلك آخر العهد به ، فلما رجع الناس [إلى مكة ] رجعت معهم ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف ، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، فقالوا: إنه لا يهيج الرسل . قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآني قال: "أنت وحشي" ؟ قلت: نعم ، قال: "أنت قتلت حمزة؟" قلت: قد كان من الأمر ما بلغك يا رسول الله ، قال: "أما تستطيع أن تغيب وجهك عني" . قال: فرجعت ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مسيلمة الكذاب ، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة ، فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان .

قال: وإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه . [قال]: فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، قال: ودب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته .

قال عبيد الله بن الفضل ، فأخبرني سليمان بن يسار ، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود .

[انفرد بإخراجه البخاري .

أخبرنا هبة الله بن محمد الكاتب ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام ، عن عروة ، قال: أخبرني أبي الزبير :

أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى قال:

فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال: المرأة المرأة ، قال الزبير: فتوسمت أنها أمي صفية ، فخرجت أسعى إليها ، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى ، قال: فلزمت في صدري ، وكانت امرأة جلدة ، قالت: إليك لا أم لك ، قال: فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك ، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها ، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي [ ص: 181 ] حمزة ، فقد بلغني مقتله ، فكفنوه فيهما ، قال: فجئت بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة ، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين ، والأنصاري لا كفن له ، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب ، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر ، فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له]
.

أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الله بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو الحسن بن المهتدي ، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل بن المأمون ، قال: حدثنا أبو بكر الأنباري ، قال: أخبرنا أحمد بن الهيثم بن خالد ، قال: أخبرنا إبراهيم بن المهتدي ، أخبرنا يحيى بن زكريا ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير ، قال:

لما انصرف المشركون يوم أحد وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ناحية [القتلى] فجاءت امرأة تؤم القتلى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة المرأة ، فدنوت منها فتوسمتها فإذا هي صفية ، فقلت لها: يا أماه ارجعي فلزمت صدري وقالت: لا أم لك ، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزم عليك ، فأخرجت ثوبين وقالت: كفنوا أخي في هذين الثوبين ، فنظرنا إلى جانب حمزة رجلا من الأنصار وليس له كفن ، فرأينا غضاضة علينا أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري ليس له كفن ، وكان أحد الثوبين أوسع من الآخر ، فأقرعنا بينهما وكفنا كل واحد في الثوب الذي صار له .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال: لما قتل حمزة يوم أحد أقبلت صفية تطلبه لا تدري ما صنع ، فلقيت عليا والزبير ، [ ص: 182 ] فقال علي للزبير : اذكر لأمك ، قال الزبير: لا بل اذكر أنت لعمتك ، قالت: ما فعل حمزة؟ قال: فأرياها أنهما لا يدريان ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: "إني أخاف على عقلها" فوضع يده على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت ، ثم جاء فقام عليه وقد مثل به ، فقال: "لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع" قال: ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم ، قال: فيضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة ، ثم يجاء بغيرهم حتى فرغ منهم .

قال محمد بن سعد : وأخبرنا عبد الله بن نمير ، قال: أخبرنا زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر ، قال: كانت فاطمة تأتي قبر حمزة فترمه وتصلحه .

[أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، ويحيى بن الحسن ، وأحمد بن محمد الطوسي في آخرين ، قالوا: أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي ، أخبرنا البغوي ، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا سعيد بن ميسرة ، عن أنس ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا ، وإنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا عبد العزيز بن علي الحربي ، حدثنا المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا بشر بن الوليد الكندي ، حدثنا صالح المري ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه قد مثل به ، فقال: رحمة الله عليك ، فإنك كنت ما علمت فعولا للخيرات وصولا للرحم ، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى ، أما والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل [ ص: 183 ] والنبي صلى الله عليه وسلم واقف يعد خواتيم النحل: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة ، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد .

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، أخبرنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا شهاب بن عباد ، حدثنا عبد الجبار بن ورد ، عن الزبير ، عن جابر ، قال: لما أراد معاوية أن يجري عينه التي بأحد كتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء ، فكتب: انبشوهم ، فقال: فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام ، وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة ، فانبعثت دما] .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي ، قال: أخبرنا المخلص ، قال: أخبرنا البغوي ، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد ، قال: سمعت أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول:

كتب معاوية إلى عامله بالمدينة أن يجري عينا إلى أحد ، فكتب إليه عامله: إنها لا تجري إلا على قبور الشهداء ، قال: فكتب إليه أن أنفذها ، قال: فسمعت جابر بن عبد الله يقول: فرأيتهم يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نوم حتى أصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما .

37 - حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة :

وجروة هو الذي يقال له اليمان ، لأنه حالف اليمانية ، وحسيل أبو حذيفة ، خرج هو وحذيفة يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزاة بدر فلقيهما المشركون فقالوا: إنكما تريدان محمدا ، فقالا: ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه أن لا يقاتلا مع محمد ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، وقالا: إن شئت قاتلنا معك ، فقال: بل نفي [ ص: 184 ] بعهدهم ونستعين الله عليهم ، وشهدا غزاة أحد ، فالتقت سيوف المسلمين على حسيل وهم لا يعرفونه ، فجعل حذيفة يقول: أبي أبي ، فلم يفهموا حتى قتل ، فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية