الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[زواجه صلى الله عليه وسلم أم سلمة ]

وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد المقري ، وعبد الله بن محمد القاضي ، ويحيى بن علي [ ص: 207 ] المدبر قالوا: أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، قال: أخبرنا ابن حبابة ، قال: حدثنا البغوي ، قال: حدثنا هدبة ، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، قال: حدثني ابن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحب إلي من كذا وكذا ، لا أدري ما عدل به ، سمعت رسول الله يقول: لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول: اللهم عندك أحتسب مصيبتي ، اللهم اخلفني فيها خيرا منها إلا أعطاه الله عز وجل . قالت أم سلمة : فلما أصبت بأبي سلمة ، قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ، ولم تطب نفسي أن أقول اللهم اخلفني فيها خيرا منها ، ثم قالت: من خير من أبي سلمة؟! ثم قالت ذلك ، فلما انقضت عدتها أرسل إليها أبو بكر يخطبها فأبت ، ثم أرسل إليها عمر يخطبها ، فأبت ، ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها ، فقالت: مرحبا برسول الله ، إن في خلالا ثلاثا ، أنا امرأة شديدة الغيرة ، وأنا امرأة مصبية ، وأنا امرأة ليس لي ها هنا أحد من أوليائي يزوجني ، فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته ، فأتاها عمر فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه ، فقالت: يا ابن الخطاب في كذا وكذا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما ما ذكرت من غيرتك ، فأنا أدعو الله عز وجل يذهبها عنك ، وأما ما ذكرت من صبيتك ، فإن الله عز وجل سيكفيكهم ، وأما ما ذكرت أنه ليس أحد من أوليائك شاهد فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني ، وقال لابنها: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فزوجه ، فقال: يا رسول الله أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة ، قال ثابت: قلت لابن أم سلمة: ما أعطى فلانة ، قال: أعطاها جرتين تضع فيهما حاجتها ، ورحاء ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها في حجرها ، فلما رآها انصرف ، وأقبل عمار مسرعا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها ، وقال: هاتي هذه المشومة التي قد منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لم يرها في حجرها قال: أين زناب؟ قالت: أخذها عمار ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله ، قال: وكانت في النساء كأنها ليست فيهن ، لا تجد ما تجدن من الغيرة .

قال مؤلف الكتاب: وقد روينا أنه لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلها إلى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها ، فدخلت فرأت جرة فيها شعير ، ورحاء ، وبرمة ، فطحنته ثم عقدته في البرمة ، وأدمته بإهالة ، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه ، [ ص: 208 ] فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم أراد أن يدور ، فأخذت بثوبه ، فقال: إن شئت أن أزيدك ثم قاصصتك به بعد اليوم .

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن هند بنت الحارث الفراسية ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لعائشة مني شعبة ما نزلها [مني] أحد" ، فلما تزوج أم سلمة سئل ، فقيل: يا رسول الله ، ما فعلت الشعبة؟ فسكت ، فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده . قال محمد بن عمر : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكر الناس جمالها ، فتلطفت حتى رأيتها ، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال ، فذكرت ذلك لحفصة ، وكانتا يدا واحدة ، فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة ، ما هي كما تقولين ، فتلطفت لها حفصة حتى رأتها ، فقالت: والله ما هي كما تقولين ولا قريب ، وإنها لجميلة ، قالت: فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة ، ولكن كنت غيرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية