الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8 - باب إثبات السمع والرؤية لله - جل وعلا - ) :

الذي هو كما وصف نفسه : سميع بصير ، ومن كان معبوده غير سميع بصير ، فهو كافر بالله السميع البصير ، يعبد غير الخالق البارئ ، الذي هو سميع بصير ، قال الله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، وقال - عز وجل - في قصة المجادلة : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله الآية .

قال أبو بكر : " قد كنت أمليت في كتاب الظهار خبر عائشة - رضي الله عنها - : " سبحان ربي وبحمده ، وسع سمعه الأصوات ، إن المجادلة تشكو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخفى علي بعض كلامها ، فأنزل الله : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، وقال - عز وجل - : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم [ ص: 107 ] الآية ، وقد أعلمنا ربنا - الخالق البارئ - أنه يسمع قول من كذب على الله ، وزعم أن الله فقير ، فكذبهم الله في مقالتهم تلك ، فرد الله ذلك عليهم ، وخبر أنه الغني وهم الفقراء ، وأعلم عباده المؤمنين أنه السميع البصير ، فكذلك خبر المؤمنين : أنه قد سمع قول المجادلة ، وتحاور النبي - صلى الله عليه وسلم - والمجادلة ، وخبرت الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - أنه يخفى عليها بعض كلام المجادلة ، مع قربها منها ، فسبحت خالقها الذي وسع سمعه الأصوات ، وقالت : " سبحان من وسع سمعه الأصوات " ، فسمع الله - جل وعلا - كلام المجادلة ، وهو فوق سبع سماوات مستو على عرشه ، وقد خفي بعض كلامها على من حضرها وقرب منها ، وقال - عز وجل - لكليمه موسى وأخيه ابن أمه - هارون - ، يؤمنهما فرعون ، حين خافا أن يفرط عليهما ، أو أن يطغى : إنني معكما أسمع وأرى ، فأعلم - الرحمن جل وعلا - أنه سمع مخاطبة كليمه موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - ، وما يجيبهما به فرعون ، وأعلم أنه يرى ما يكون من كل منهم ، وقال - جل وعلا - : [ ص: 108 ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ، إلى قوله : السميع البصير ، وقال في سورة حم المؤمن : فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ، واستقصاء ذكر قوله : (السميع البصير) ، (وسميع بصير) ، يطول بذكر جميعه الكتاب .

وقال - عز وجل - لكليمه موسى ولأخيه هارون - صلوات الله عليهما - : كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ، فأعلم - جل وعلا - عباده المؤمنين أنه كان يسمع ما يقول لكليمه موسى وأخيه .

وهذا من الجنس الذي أقول : استماع الخالق ليس كاستماع المخلوق ، قد أمر الله - أيضا - موسى - عليه السلام - أن يستمع لما يوحى فقال : فاستمع لما يوحى ، فلفظ الاستماعين واحد ، ومعناهما مختلف ؛ لأن استماع الخالق غير استماع المخلوقين - عز ربنا وجل - ، عن أن يشبهه شيء من خلقه ، وجل عن أن يكون فعل أحد من خلقه شبيها بفعله ، - عز وجل - وقال الله - عز وجل - : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، [ ص: 109 ] وليس رؤية الله أعمال من ذكر عملهم في هذه الآية ، - كرؤية رسول الله والمؤمنين ، وإن كان اسم الرؤية يقع على رؤية الله أعمالهم ، وعلى رؤية رسول الله ، ورؤية المؤمنين .

(قال أبو بكر) : وتدبروا - أيها العلماء - ، ومقتبسوا العلم ، مخاطبة خليل الرحمن أباه ، وتوبيخه إياه لعبادته من كان يعبد ، تعقلوا بتوفيق خالقنا - جل وعلا - ، صحة مذهبنا ، وبطلان مذهب مخالفينا من الجهمية المعطلة .

قال خليل الرحمن - صلوات الله وسلامه عليه - ، لأبيه : لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، أفليس من المحال - يا ذوي الحجا - ، أن يقول خليل الرحمن لأبيه - آزر - : لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ، ويعيبه بعبادة ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ثم يدعوه إلى عبادة من لا يسمع ، ولا يبصر ، كالأصنام التي هي من الموتان ، لا من الحيوان أيضا ، فكيف يكون ربنا الخالق البارئ السميع البصير كما يصفه هؤلاء الجهال المعطلة ؟ ، - عز ربنا وجل - عن أن يكون غير سميع ، ولا بصير ، - فهو كعابد الأوثان والأصنام لا يسمع ولا يبصر ، أو كعابد الأنعام ، ألم يسمعوا قول خالقنا وبارئنا : أفأنت تكون عليه وكيلا ، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام ، [ ص: 110 ] الآية .

فأعلمنا - عز وجل - أن من لا يسمع ، ولا يعقل كالأنعام ، بل هم أضل سبيلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية