الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب كيف اللعان من كتاب اللعان والطلاق وأحكام القرآن .

( قال الشافعي ) رحمه الله ولما حكى سهل شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر رضي الله عنهما استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين ; لأنه لا يحضر أمرا يريد النبي صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له ، وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة ; لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله تعالى في الزانيين { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } وفي حكاية من حكى اللعان عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة بلا تفسير دليل على أن الله تعالى لما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بما حكى الله تعالى في القرآن واللعان أن يقول الإمام للزوج قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان من الزنا ويشير إليها إن كانت حاضرة ثم يعود فيقولها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقفه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة [ ص: 315 ] فإن أبى تركه وقال قل وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا وإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحدا أو اثنين أو أكثر قال مع كل شهادة إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان وقال عند الالتعان وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو بفلان وفلان .

قال وإن كان معها ولد فنفاه أو بها حمل فانتفى منه قال مع كل شهادة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن هذا الولد ولد زنا ما هو مني وإن كان حملا قال وإن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من زنا ما هو مني فإن قال هذا فقد فرغ من الالتعان فإن أخطأ الإمام فلم يذكر نفي الولد أو الحمل في اللعان قال للزوج إن أردت نفيه أعدت اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج اللعان إن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن وفي الإملاء على مسائل مالك ولما حكم الله تعالى على الزوج يرمي المرأة بالقذف ولم يستثن أن يسمي من يرميها به أو لم يسمه { ورمى العجلاني امرأته بابن عمه أو بابن عمها شريك ابن السحماء وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه عليها } وقال في الطلاق من أحكام القرآن فالتعن ولم يحضر صلى الله عليه وسلم المرمي بالمرأة فاستدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن على الزوج للذي قذفه بامرأته حد ولو كان له لأخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج وقال في الإملاء على مسائل مالك وسأل النبي صلى الله عليه وسلم شريكا فأنكر فلم يحلفه ولم يحده بالتعان غيره ولم يحد العجلاني القاذف له باسمه وقال في اللعان ليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأن الله يقول { ولا تجسسوا } فإن شبه على أحد { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال إن اعترفت فارجمها } فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها .

قال ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله صلى الله عليه وسلم وإنما سأل المقذوفة والله عز وجل أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج وأي الزوجين كان أعجميا التعن بلسانه بشهادة عدلين يعرفان لسانه وأحب إلي أن لو كانوا أربعة وإن كان أخرس يفهم الإشارة التعن بالإشارة وإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد ثم تقام المرأة فتقول أشهد بالله أن زوجي فلانا وتشير إليه إن كان حاضرا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت وقفها الإمام وذكرها الله تعالى وقال احذري أن تبوئي بغضب من الله إن لم تكوني صادقة في أيمانك فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها ورآها تمضي قال لها قولي وعلي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا فإذا قالت ذلك فقد فرغت قال وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما الله لأن ابن عباس رضي الله عنه حكى { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال إنها موجبة } ولما ذكر الله تعالى الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل على حال افتراق اللعان والشهادات وأن اللعنة والغضب بعد الشهادة موجبان على من أوجبا عليه بأن يجترئ على القول أو الفعل ثم على الشهادة بالله باطلا ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للإمام إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يقفهما نظرا لهما بدلالة الكتاب والسنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية