( فائدة ) : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=26261_16153شهد الفاسق المستخفي بفسقه الذي يتعير بنسبته إليه فردت شهادته فأعادها بعد العدالة لم تقبل ; لأن له غرضا طبعيا في نفي الكذب عن شهادته ، وإن لم يكن الفاسق كذلك فأعاد الشهادة فوجهان .
فإن تهمته ضعيفة لضعف غرضه ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=26261شهد لمكاتبه أو على عدوه فردت شهادته فأعادها بعد العتق والصداقة فوجهان لضعف التهمة .
فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=27107_26261متى يحكم بشهادة الفاسق إذا تاب مع كونه مدعيا للتوبة ، فإن ركنيها ، وهما الندم والعزم من أعمال القلوب ؟ قلنا : القاعدة أن ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان ، فإنا نقبل قوله فيه ، فإذا أخبر المكلف عن نيته فيما تعتبر فيه النية ، أو أخبر الكافر عن إسلامه ، أو المؤمن عن ردته ، أو أخبرت المرأة عن حيضها أو أخبر الكتابي عن نيته أو المدين عن دفع دينه ، فإنا نقبل ذلك كله وتجري عليه أحكامه ; لأنا لو لم نقبله لتعطلت مصالح هذا الباب ; لتعذر إقامة الحجج عليها ، ولذلك قبلنا
nindex.php?page=treesubj&link=16287قول المرأة في الإجهاض .
وأما التائب فلا يقبل قوله مع توبته حتى نحكم بعدالته ، ولا بد أن تمضي مدة طويلة يعلم في مثلها صدقه بملازمته للمروءة واجتناب الكبائر وتنكب الإصرار على الصغائر ، فإذا انتهى إلى حد يغلب على الظن
[ ص: 40 ] عدالته ، كما يغلب على الظن عدالة غيره من العدول قبلنا شهادته لإفادتها الظن الذي يفيده قول غيره من العدول ، وقد اختلف في مقدار هذه المدة ، فقدرها بعضهم بستة أشهر وذلك تحكم ، والمختار أن ذلك يختلف باختلاف ما ظهر من التائبين من التلهف والتأسف ، والتندم ، والإقبال على الطاعات ، وحفظ المروآت ، والتباعد عن المعاصي والمخالفات ، ويدل على ذلك قوله تعالى - في القذفة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } فشرط في قبول الشهادة بعد التوبة الإصلاح ، وليس هذا شرطا في التوبة في نفس الأمر ، فإن التوبة إذا تحققت بنيت عليها الأحكام في الباطن ، وأما في الظاهر فلا بد من اختباره واستبرائه حتى يظهر صدقه في دعواه التوبة ، فتعود إليه في الباطن كل ولاية تشترط فيها العدالة ، ولا يعود شيء من ذلك في الظاهر إلا بعد استبرائه .
فإن قيل : كيف قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله
nindex.php?page=treesubj&link=19718_19717_27107توبة القاذف في إكذابه نفسه ، مع أن الإكذاب ليس ركنا من أركان التوبة ؟ قلنا : قد خفي هذا على كثير من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حتى تأولوه بتأويل لا يصح ، والذي ذكره رحمه الله ظاهر عائد إلى الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه ، فإنا إنما فسقناه لكونه كاذبا في الظاهر ، فلو لم يكذب نفسه لكان مصرا على الذنب الذي شرط الإقلاع عنه ، فإذا أكذب نفسه ، فقد أقلع عن الذنب الذي فسقناه ; لأجله .
فإن قيل : إن كان كاذبا فهو فاسق ، وإن كان صادقا فهو عاص ; إذ لا يجوز تعيير من تحقق زناه بالقذف فكيف ينفعه تكذيبه نفسه مع كونه عاصيا بكل حال ؟ قلنا : ليس قذفه ، وهو صادق كبيرة موجبة لرد شهادته بل ذلك من الصغائر التي لا تحرم الشهادات ولا الروايات .
[ ص: 41 ] فإن قيل : إذا كان صادقا فكيف يجوز له أن يكذب نفسه فيما هو صادق فيه ؟ قلنا
nindex.php?page=treesubj&link=18997الكذب للحاجة جائز في الشرع ، كما يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=27107_19001_19003كذب الرجل لزوجته ، وفي الإصلاح بين المختصمين ، وفي هذا الكذب مصالح .
أحدها : الستر على المقذوف ، وتقليل أذيته وفضيحته عند الناس .
الثانية : قبول شهادة القاذف بعد الاستبراء .
الثالثة : عوده إلى الولايات التي تشترط فيها العدالة ; كنظره في أموال أولاده وإنكاحه لمولياته .
الرابعة : تعرضه للولايات الشرعية والمناصب الدينية .
( فَائِدَةٌ ) : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=26261_16153شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ الَّذِي يَتَعَيَّرُ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ لَمْ تُقْبَلْ ; لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا طَبْعِيًّا فِي نَفْيِ الْكَذِبِ عَنْ شَهَادَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَاسِقُ كَذَلِكَ فَأَعَادَ الشَّهَادَةَ فَوَجْهَانِ .
فَإِنَّ تُهْمَتَهُ ضَعِيفَةٌ لِضَعْفِ غَرَضِهِ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26261شَهِدَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ عَلَى عَدُوِّهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالصَّدَاقَةِ فَوَجْهَانِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ .
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27107_26261مَتَى يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ إذَا تَابَ مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا لِلتَّوْبَةِ ، فَإِنَّ رُكْنَيْهَا ، وَهُمَا النَّدَمُ وَالْعَزْمُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ ؟ قُلْنَا : الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِنْسَانِ ، فَإِنَّا نَقْبَلُ قَوْلَهُ فِيهِ ، فَإِذَا أَخْبَرَ الْمُكَلَّفُ عَنْ نِيَّتِهِ فِيمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ ، أَوْ أَخْبَرَ الْكَافِرُ عَنْ إسْلَامِهِ ، أَوْ الْمُؤْمِنُ عَنْ رِدَّتِهِ ، أَوْ أَخْبَرَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ حَيْضِهَا أَوْ أَخْبَرَ الْكِتَابِيُّ عَنْ نِيَّتِهِ أَوْ الْمَدِينُ عَنْ دَفْعِ دَيْنِهِ ، فَإِنَّا نَقْبَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ ; لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَقْبَلْهُ لَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ هَذَا الْبَابِ ; لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْحِجَجِ عَلَيْهَا ، وَلِذَلِكَ قَبِلْنَا
nindex.php?page=treesubj&link=16287قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِي الْإِجْهَاضِ .
وَأَمَّا التَّائِبُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ تَوْبَتِهِ حَتَّى نَحْكُمَ بِعَدَالَتِهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ يُعْلَمُ فِي مِثْلِهَا صِدْقُهُ بِمُلَازَمَتِهِ لِلْمُرُوءَةِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَنَكُّبِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى حَدٍّ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ
[ ص: 40 ] عَدَالَتُهُ ، كَمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَالَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُدُولِ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ لِإِفَادَتِهَا الظَّنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُدُولِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ تَحَكُّمٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا ظَهَرَ مِنْ التَّائِبِينَ مِنْ التَّلَهُّفِ وَالتَّأَسُّفِ ، وَالتَّنَدُّمِ ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ ، وَحِفْظِ الْمُرُوآت ، وَالتَّبَاعُدِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى - فِي الْقَذَفَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } فَشَرَطَ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ الْإِصْلَاحَ ، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا فِي التَّوْبَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ إذَا تَحَقَّقَتْ بُنِيَتْ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ فِي الْبَاطِنِ ، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِبَارِهِ وَاسْتِبْرَائِهِ حَتَّى يَظْهَرَ صِدْقُهُ فِي دَعْوَاهُ التَّوْبَةَ ، فَتَعُودُ إلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ كُلُّ وِلَايَةٍ تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ ، وَلَا يَعُودُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19718_19717_27107تَوْبَةُ الْقَاذِفِ فِي إكْذَابِهِ نَفْسَهُ ، مَعَ أَنَّ الْإِكْذَابَ لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ ؟ قُلْنَا : قَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ حَتَّى تَأَوَّلُوهُ بِتَأْوِيلٍ لَا يَصِحُّ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ عَائِدٌ إلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ ، فَإِنَّا إنَّمَا فَسَّقْنَاهُ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الظَّاهِرِ ، فَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ لَكَانَ مُصِرًّا عَلَى الذَّنْبِ الَّذِي شَرَطَ الْإِقْلَاعَ عَنْهُ ، فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ ، فَقَدْ أَقْلَعَ عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي فَسَّقْنَاهُ ; لِأَجْلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ فَاسِقٌ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ عَاصٍ ; إذْ لَا يَجُوزُ تَعْيِيرُ مَنْ تَحَقَّقَ زِنَاهُ بِالْقَذْفِ فَكَيْفَ يَنْفَعُهُ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ مَعَ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِكُلِّ حَالٍ ؟ قُلْنَا : لَيْسَ قَذْفُهُ ، وَهُوَ صَادِقٌ كَبِيرَةً مُوجِبَةً لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بَلْ ذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ الَّتِي لَا تُحَرِّمُ الشَّهَادَاتِ وَلَا الرِّوَايَاتِ .
[ ص: 41 ] فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ صَادِقًا فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِيمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ ؟ قُلْنَا
nindex.php?page=treesubj&link=18997الْكَذِبُ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ ، كَمَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=27107_19001_19003كَذِبُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ ، وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُخْتَصِمَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْكَذِبِ مَصَالِحُ .
أَحَدُهَا : السَّتْرُ عَلَى الْمَقْذُوفِ ، وَتَقْلِيلُ أَذِيَّتِهِ وَفَضِيحَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ .
الثَّانِيَةُ : قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ .
الثَّالِثَةُ : عَوْدُهُ إلَى الْوِلَايَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ ; كَنَظَرِهِ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ وَإِنْكَاحِهِ لِمَوْلَيَاتِهِ .
الرَّابِعَةُ : تَعَرُّضُهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ .