الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة

فمن الحوادث فيها:

غزوة العباس بن محمد الصائفة حتى بلغ أنقرة وانصرفوا سالمين .

وفيها: ولي حمزة بن مالك سجستان ، وولي جبرئيل بن يحيى سمرقند .

وعزل عبد الصمد عن المدينة عن موجدة ، واستعمل مكانه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان الجمحي .

وفيها: بنى المهدي مسجد الرصافة وبنى حائطها وحفر خندقها .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال:

أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أخبرني أبو العباس المنصوري قال:

لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال ودخائر المنصور أخذ في رد المظالم ، وأخرج ما في الخزائن ففرقه وبر أهله وأقرباءه ومواليه ، وأخرج لأهل بيته أرزاقا لكل واحد منهم في كل شهر خمسمائة درهم ، وأخرج لهم في الإقسام لكل واحد عشرة آلاف درهم . [ ص: 227 ]

وزاد بعضهم: [وأمر ببناء مسجد الرصافة وحاط حائطها ، وخندق خندقها] .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي] الخطيب قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا محمد بن عياش قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد المروزي قال:

حدثني أبي قال: حكي لنا أن الربيع قال: مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط مائة ألف ألف درهم ، وستون ألف ألف درهم ، فلما صارت الخلافة إلى المهدي قسم ذلك وأنفقه .

قال الربيع: ونظرنا في نفقة المنصور فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم . قال: وفتح المنصور يوما خزائن مروان بن محمد فأحصى ما فيها اثني عشر ألف عدل خزفا .

فأخرج منها ثوبا وقال: يا ربيع ، اقطع من هذا الثوب جبتين ، لي واحدة ولمحمد واحدة . قلت: لا يجيء منه هذا . قال: فاقطع لي منه جبة وقلنسوة ، وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي .

فلما أفضت الخلافة إلى المهدي أمر بتلك الخزانة بعينها ففرقت على الموالي والغلمان والخدم .

وفيها: وجه المهدي عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر إلى بلاد الهند في خلق كثير فوصلوا إلى الهند في سنة ستين .

وفيها: أمر المهدي بإطلاق من كان في سجون المنصور إلا من كان قبله دم أو كان معروفا بالسعي في الأرض بالفساد ، أو كان لأحد قبله مظلمة . وكان ممن أطلقيعقوب ابن داود مولى بني سليم ، وكان معه في الحبس الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فحوله المهدي إلى نصير الوصيف فحبس عنده .

وكان سبب تحويله: أنه كان هو ويعقوب في مكان واحد فأطلق يعقوب ولم يطلق الحسن ، فساء ظنه وخاف على نفسه ، فالتمس مخرجا لنفسه فدس إلى بعض ثقاته [ ص: 228 ] فحفر له سربا في موضع مسامت للموضع الذي هو فيه محبوس ، وكان يعقوب بعد أن أطلق يطيف بابن علاثة - وهو قاضي المهدي - ويلزمه حتى أنس به ، وبلغ يعقوب ما عزم عليه الحسن من الهرب ، فأتى ابن علاثة فأخبره أن عنده نصيحة للمهدي ، فسأله إيصاله إلى أبي عبيد الله ، فدخل به إليه ، فسأله إيصاله إلى المهدي ليعلمه النصيحة ، فأدخله عليه فساره بذلك ، فأمر بتحويل الحسن إلى نصير ، فلم يزل حتى احتيل له فخرج ، فطلب فلم يقدر عليه ، فدعا المهدي يعقوب فأخبره خبر الحسن فقال: لا علم لي بمكانه ، ولكن إن أعطيتني [له] أمانا يثق به ضمنت أن آتيك به . فأعطاه ذلك ، فقال [له] : فاله عن ذكره يا أمير المؤمنين ، ودع طلبه ، فإن ذلك يوحشه ، ودعني وإياه حتى أحتال له ، وقال يعقوب: يا أمير المؤمنين قد بسطت عدلك ، وعممت بخيرك ، وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لم تدع النظر فيها بمثل ما فعلت في غيرها ، وإن جعلت لي سبيلا إلى الدخول عليك ، وأذنت لي في رفعها إليك فعلت فأعطاه المهدي ذلك ، وكان يدخل على المهدي ليلا ويرفع إليه النصائح الحسنة من أمر الثغور ، وبناء الحصون ، وفكاك الأسارى ، والقضاء على الغارمين ، والصدقة على المتعففين ، فحظي بذلك عنده واتخذه أخا في الله تعالى ، وأخرج بذلك توقيعا أثبت في الدواوين ، ثم تغير عليه وأمر بحبسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية