الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة : نزع المهدي كسوة الكعبة التي كانت عليها ، وكساها كسوة جديدة ، وذلك أن حجبة الكعبة رفعوا إليه أنهم يخافون على الكعبة لكثرة ما عليها من الكسوة ، فأمر أن يكشف عنها فكشف ما عليها حتى بقيت مجردة ، ثم طلي البيت كله بالخلوق ، ولما بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجا ثخينا ووجدوا كسوة من كان قبله عامتها من متاع اليمن .

وقسم المهدي في هذه السنة في أهل مكة والمدينة مالا كثيرا ، فذكر أنه قسم في تلك السفرة ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه ، ووصل إليه من مصر ثلاثة مائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار قسم ذلك كله ، وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ، ووسع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعت ، وأراد أن ينقض [منبر] مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعيده إلى ما كان عليه ، ويلقي ما كان معاوية زاده فيه ، فشاور في ذلك ، فقيل له: إن المسامير الذي أحدثه معاوية في الخشب الأول وهو عتيق لا نأمن إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن ينكسر ، فتركه على حاله ، وأمر المهدي أيام مقامه بالمدينة بإثبات خمسمائة رجل من الأنصار ليكونوا معه حرسا له بالعراق [وأنصارا] ، وأجرى عليهم أرزاقا سوى أعطياتهم ، وأقطعهم عند قدومهم معه بمدينة السلام قطيعة تعرف بهم ، ودخل عليه عثمان بن طلحة فاستعفاه من القضاء . [ ص: 239 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] بن ثابت قال:

أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن نصر بن مكرم قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا أبو الفضل الربعي قال: حدثني أبي قال: استقضى بعض أمراء المدينة عثمان بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر ، فامتنع عليه ، فأشرف عليه بضرب السياط ، فلما رأى ذلك قضى بين الناس حتى استوجب رزق عشرة أشهر ، وقدم المهدي المدينة حاجا ، فدخل عليه عثمان بن طلحة ، فسأله أن يعزله عن القضاء ، فقال: ليس إلى ذلك سبيل ، قال له عثمان: والله يا أمير المؤمنين لو علمت أن بلد الروم تجيرني ولا تمنعني من الصلاة لاستجرت به ، قال المهدي : وإنك على ما قلت . قال: فإني والله لعلى ما قلت ، قال:

فإني قد عزلتك فاقبض ما لك عندنا من الرزق . قال: والله ما في عنه غنى ، ولكن كان لي نظر وأشباه [ذلك] يكرهون من هذا العمل ما أكره ، ثم أكرهوا عليه ، فدخلوا فيه ، فلما عزلوا كرهوا العزل ، فلم أجد معناهم في كراهتهم العزل إلا هذا الرزق ، فلذلك كرهت أخذه .

وتزوج المهدي في أيام مقامه بالمدينة رقية بنت عمرو العثمانية .

وفيها: رد المهدي على أهل بيته وغيرهم قطائعهم التي كانت مقبوضة عنهم .

وفيها: حمل محمد بن سليمان الثلج للمهدي ، حتى وافى مكة ، فكان المهدي أول من حمل له الثلج من الخلفاء إلى مكة .

وفيها : تزوج الهادي لبابة بنت جعفر بن المنصور ، وهي أخت زبيدة . [ ص: 240 ]

وكان في هذه السنة على صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي ، وعلى قضائها شريك بن عبد الله النخعي ، وعلى صلاة البصرة وأحداثها وأعمالها ، وعلى كور دجلة ، والبحرين ، وعمان وكور الأهواز ، وفارس محمد بن سليمان ، وكان على قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن ، وعلى خراسان معاذ بن سالم ، وعلى الجزيرة الفضل بن صالح ، وعلى السند رواح بن حاتم . وعلى إفريقية يزيد بن حاتم ، وعلى مصر سليمان بن علي .

التالي السابق


الخدمات العلمية