الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

859 - إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجلي ، ويقال: التميمي .

أصله من بلخ وكان من أولاد الملوك ، وروى عن جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي ، وأبي حازم ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، وأبان ، والأعمش ، واشتغل بالتزهد عن الرواية ، وكان يكون بالكوفة ثم بالشام .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد البغدادي قال: أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده قال: أخبرنا أبي [قال: سمعت عبد الله بن محمد بن الحارث قال:

سمعت إسماعيل بن بشر البلخي] قال: سمعت عبد الله بن محمد العابد يقول:

سمعت يونس بن سليمان البلخي يقول: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف ، وكان أبوه كثير المال والخدم ، فخرج إبراهيم يوما إلى الصيد مع الغلمان والخدم والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في ذلك وهو على فرسه يركضه ، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم ، ما هذا العبث أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون اتق الله ، وعليك بالزاد ليوم الفاقة ، قال: فنزل عن دابته ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة . [ ص: 241 ]

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا الغطريفي قال: حدثنا إسحاق بن ديمهر قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المنذر قال: كنت إذا رأيت إبراهيم بن أدهم كأنه ليس فيه روح لو نفخته الريح لوقع ، قد اسود متدرعا بعباءة .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناده ، عن شقيق بن إبراهيم يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم: تركت خراسان ، قال: ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق ، ومن جبل إلى جبل ، فمن يراني يقول: موسوس ، ومن يراني يقول: حمال .

عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أحمد بن داود يقول: مر يزيد بإبراهيم بن أدهم وهو ينظر كرما ، فقال: ناولني من هذا العنب ، فقال: ما أذن لي صاحبه ، فقلت: السوط ، وجعل يقنع رأسه فطأطأ إبراهيم رأسه ، وقال: اضرب رأسا طالما عصى الله . قال: فأعجز الرجل عنه .

أخبرنا محمد قال: أخبرنا حمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو الحسين بن محمد بن محمد الجرجاني قال: حدثنا الحسن بن علي الطوسي قال:

حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا محبوب بن موسى قال: أخبرني علي بن بكار قال: كنا جلوسا بالمصيصة وفينا إبراهيم بن أدهم ، فقدم رجل من خراسان فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم ، فقال القوم: هذا . قال: إن إخوتك بعثوني إليك ، فلما سمع بذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحاه ، فقال: ما جاء بك؟ فقال: أنا مملوك معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم ، بعث بها إليك إخوتك ، قال: إن كنت صادقا فأنت حر ، وما معك لك ، اذهب فلا تخبر أحدا . فذهب .

عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا علي الجرجاني يحدث أبا [ ص: 242 ] سليمان الداراني قال: صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد .

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: اقتصرت ها هنا على ما ذكرت من أخباره ، لأني قد جمعت أخباره في مجلد فكرهت الإعادة في التواليف .

توفي إبراهيم بالجزيرة ، وحمل إلى صور فدفن هناك .

860 - الحسن بن أبي جعفر ، أبو سعيد الجعفري واسم جعفر: عجلان .

أسند عن أبي الزبير ، وثابت البناني ، وغيرهما .

أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس قال:

حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا القواريري قال:

حدثني أبو عمران التمار قال: غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الجفري ، فإذا باب المسجد مغلق ، وإذا حسن جالس يدعو ، وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد ، فدخلت ، فلم أر في المسجد أحدا ، فلما أصبح وتفرق عنه الناس ، قلت له: يا أبا سعيد ، إني والله رأيت عجبا ، قال: وما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت ، قال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة .

861 - زمعة بن صالح المكي .

روى عن سلمة بن وهرام ، وابن طاووس . وروى عنه: وكيع .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار قال:

أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسين بن صفوان قال: أخبرنا أبو بكر القرشي قال: حدثني المفضل بن غسان ، عن مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا القاسم بن راشد الشيباني قال: كان زمعة نازلا عندنا ، وكان له أهل وبنات ، وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا ، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: [ ص: 243 ]

أيها الركب المعرسون ، أكل هذا الليل ترقدون ، ألا تقومون ، فترحلون . فيسمع من هاهنا باك ، ومن هاهنا داع ، ومن هاهنا قارئ ، ومن هاهنا متوضئ . فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى .

862 - سليمان الخواص .

كان من المتعبدين الفطناء أخبرنا أبو بكر العامري قال: أخبرنا عبد الغفار بن محمد الشيروي قال: حدثنا ابن باكويه قال: حدثنا محمد بن علي بن سعيد الأموي قال: حدثنا محمد بن سهل الكرماني قال: حدثنا يوسف بن موسى المروزي قال: حدثنا محمد بن سلام قال:

سمعت يزيد بن سعيد يقول: دخل سعيد بن عبد العزيز على سليمان الخواص فقال له:

أراك في ظلمة ، قال: ظلمة القبر أشد من هذا . قال: أراك وحدك . قال: إن للصاحب على الصاحب حقا فخفت أن لا أقوم بحق صاحبي ، قال: فأخرج سعيد صرة فيها شيء ، فقال له: تنفق هذا ، وأنا أحلها لك بين يدي الله تعالى ، إنه حلال . قال: لا حاجة لي فيها ، فقال له: رحمك الله ما ترى ما الناس فيه دعوة . قال: فصرخ سليمان صرخة ، ثم قال: ما لك يا سعيد ، فتنتني بالدنيا وتفتني بالدين ، ما لي وللدعاء من أنا ، فخرج سعيد ، فأخبر بما كان الأوزاعي ، فقال الأوزاعي: دعوا سليمان ، لو كان سليمان من الصحابة كان مثلا .

863 - شعبة بن الحجاج بن الورد ، أبو بسطام العتكي مولاهم ، واسطي الأصل بصري الدار .

ولد بواسط سنة ثلاث ومائتين ، ونشأ بها ، وانتقل إلى البصرة ، ورأى الحسن ، وابن سيرين ، وسمع قتادة ، ويونس بن عبيد ، وأيوب السجستاني ، وخالدا الحذاء ، وعبد الملك بن عمير ، وأبا إسحاق السبيعي ، وطلحة بن مصرف ، ومنصور بن المعتمر ، والأعمش وغيرهم .

وقد روى عنه: أيوب ، والأعمش ، وابن عيينة ، وابن المهدي ، وكان أكبر من سفيان الثوري بعشر سنين ، وكان عالما حافظا للحديث صدوقا زاهدا متعبدا ، عارفا بالشعر . [ ص: 244 ]

قال الأصمعي: لم نر أحدا أعلم بالشعر من شعبة .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم الضبعي قال:

أخبرنا أبو عمرو الخفاف قال: حدثنا الدوري قال: حدثنا قرار أبو نوح قال: رأى علي شعبة قميصا فقال: بكم أخذت هذا؟ قلت: بثمانية دراهم . قال: ويحك ، أما تتقي الله تلبس قميصا بثمانية دراهم ؟ ألا اشتريت قميصا بأربعة دراهم ، وتصدقت بأربعة .

قال الضبعي: وحدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري قال: حدثنا أبي قال:

سمعت محمد بن معاوية وسليمان بن حرب إلى جنبه يقول: خرج الليث بن سعد يوما فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه وما كان عليه ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفا ، فقال سليمان بن حرب: خرج شعبة يوما فقوموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهما إلى عشرين درهما .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا [أبو عبد الله بن مغلس] قال: حدثنا عمرو بن علي الفلاس قال: سمعت أبا بحر البكراوي يقول: ما رأيت أعبد لله من شعبة ، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم .

قال مؤلف الكتاب : كان شعبة متشاغلا بالعلم ، لا يكسب شيئا من الدنيا ، وكان له إخوة يقومون بأموره ، فاشترى أحد إخوته طعاما من السلطان فخسر فيه ، فقدم شعبة على المهدي في ذلك فعابه بالدخول عليهم سفيان الثوري ، فقال شعبة: هو لم يحبس أخوه .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن علي بن مخلد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال: أخبرنا محمد بن يحيى [ ص: 245 ] الصولي قال: حدثنا المبرد قال: حدثنا العباس بن الفرج الرياشي قال: حدثنا أبو عاصم قال: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو وشركاؤه ، فحبس على ستة آلاف دينار تخصه ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه فلما دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة وسماك بن حرب لأمية بن أبي الصلت:


أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء     كريم لا يغيره صباح
عن الخلق الكريم ولا مساء     فأرضك أرض مكرمة بنتها
بنو تيم وأنت لهم سماء

فقال: لا يا أبا بسطام ، لا تذكرها ، قد عرفناها وقضيناها لك ، ادفعوا إليه أخاه ، ولا تلزموه شيئا .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله المعدل قال: حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: وهب المهدي لشعبة ثلاثين ألف درهم فقسمها ، وأقطعه ألف جريب بالبصرة ، فقدم البصرة فلم يجد شيئا يطيب له فتركها ولم يرجع .

توفي شعبة بالبصرة في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين سنة .

864 - عبد الله بن صفوان الجمحي .

والي المدينة . توفي فولي مكانه زفر بن عاصم .

865 - عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي .

سمع القاسم بن عبد الرحمن ، وسلمة بن كهيل وعاصم بن بهدلة وغيرهم .

روى عنه: الثوري ، وشعبة ، وابن عتبة ، ووكيع ويزيد بن هارون وغيرهم . [ ص: 246 ]

قال الأثرم: سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن أبي عمير وعبد الرحمن المسعودي: أيهما أحب إليك؟ قال: كلاهما ثقة ، المسعودي عبد الرحمن أكثرهما حديثا ، قيل: له إخوة؟ قال: نعم . قيل له: هما من ولد عبد الله بن مسعود أو من ولد عتبة؟ فقال: هما من ولد عبيد الله بن عتبة بن مسعود ، وابن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، فقال: ابن عتبة بن عبد الله بن مسعود .

قال: وقال رجل للمسعودي: إنك من ولد عتبة بن مسعود فغضب ، وقال: أنا من ولد عبد الله بن مسعود . وقد اتفقوا على أن عبد الرحمن ثقة ، وإنما ذكروا أنه اختلط في آخر عمره .

توفي سنة ستين ، وقيل: سنة خمس وستين ، والأول أصح . [ ص: 247 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية