الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
804 - مسعود الضرير ، أبو جهير البصري .

أخبرنا أحمد بن أحمد المتوكلي الهاشمي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني عبد الله بن أبي الفتح الفارسي قال: حدثني عبيد الله بن عثمان الدقاق قال: حدثنا علي بن محمد الواعظ قال: حدثنا علي بن عيسى أبو سعيد الخراز قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله الختلي قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا شعيب بن محرز الأودي قال: حدثنا صالح المري قال: قال مالك بن دينار: اغد علي يا صالح إلى الجبان فإني قد وعدت نفرا من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير . فسلم عليه . قال صالح المري: وكان أبو جهير هذا رجلا قد انقطع إلى زاوية يتعبد فيها ، ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم جمعة في وقت الصلاة ، ثم يرجع من ساعته . قال: فغدوت إلى موعد مالك إلى الجبان ، فانتهيت إلى مالك وقد سبقني ومعه محمد بن واسع ، وإذا ثابت البناني وحبيب ، فلما رأيتهم قد اجتمعوا قلت: هذا والله يوم سرور . قال: فانطلقنا نريد أبا جهير . قال: فكان مالك إذا مر بموضع نظيف قال: يا ثابت صل ها هنا ، لعله يشهد لك غدا . قال: فكان ثابت يصلي ، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا موضعه فسألنا عنه ، فقالوا: الآن يخرج إلى الصلاة . قال: فانتظرنا فخرج علينا رجل إن شئت قلت: قد نشر من قبره . قال: فوثب رجل فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد ، فأمهل يسيرا ، ثم دخل المسجد فصلى ما شاء الله ، ثم أقام الصلاة فصلينا معه ، فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم فتوافد القوم في السلام عليه ، فتقدم محمد بن واسع ، فسلم عليه ، فرد عليه السلام وقال: من أنت؟ لا أعرف صوتك . قال: أنا من أهل البصرة . [ ص: 128 ]

قال: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن واسع . قال: مرحبا وأهلا ، أنت الذي يقول هؤلاء القوم – وأومأ بيده إلى البصرة - إنك أفضلهم ، لله أبوك إن قمت بشكر ذلك ، اجلس ، فجلس فقام ثابت البناني فسلم عليه ، فرد عليه ، وقال: من أنت يرحمك الله؟

قال: أنا ثابت البناني . فقال: مرحبا بك يا ثابت ، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنك من أطراهم صلاة ، اجلس فقد كنت أتمناك على ربي . فقام إليه حبيب أبو محمد ، فسلم عليه ، فرد السلام وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا حبيب ، أبو محمد . فقال: مرحبا بك يا أبا محمد ، أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئا إلا أعطاك ، ألا سألته أن يخفي لك ذلك ، اجلس يرحمك الله . قال: وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه .

قال: فقام إليه مالك بن دينار فسلم عليه ، فرد عليه السلام وقال: من أنت رحمك الله؟

قال: أنا مالك بن دينار . قال: بخ بخ أبو يحيى إن كنت كما يقولون ، أنت الذي يزعم هؤلاء أنك أزهدهم ، اجلس فالآن تمت أمنيتي على ربي في عاجل الدنيا . قال صالح: فقمت إليه لأسلم عليه ، فأقبل على القوم فقال: انظروا كيف تكونون غدا بين يدي الله في مجمع القيامة . قال: فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت يرحمك الله؟ قلت: صالح المري . قال: أنت الفتى الفارسي؟ أنت أبو معشر؟ قلت: نعم . قال: فاقرأ يا صالح . فابتدأت فقرأت ، فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشيا عليه ، ثم أفاق فقال: عد في قراءتك . قال صالح: فعدت فقرأت: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا . قال: فصاح صيحة ثم انكب لوجهه ، وانكشف بعض جسده ، فجعل يخور كما يخور الثور ، ثم هدأ فدنونا منه ننظر ، فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبة ، فخرجنا فسألنا: هل له أحد؟ قيل: عجوز تخدمه ، تأتيه الأيام ، فبعثنا إليها ، فجاءت فقالت: ما له؟ قلنا: قرئ عليه القرآن فمات . قالت: حق له ، من ذا الذي قرأ عليه؟ لعلهصالح المري القارئ؟ قلنا: نعم ، وما يدريك؟ من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أن كثيرا مما كنت أسمعه يقول: إن قرأ علي صالح قتلني . قلنا: فهو الذي قرأ عليه .

قالت: هو الذي قتل حبيبي . فهنأناه ، ودفناه رحمه الله] .

التالي السابق


الخدمات العلمية